صفحة جزء
( فصل في الشهادة )

قال ( وإذا شهد الوصيان أن الميت أوصى إلى فلان معهما فالشهادة باطلة ) لأنهما متهمان فيها لإثباتهما [ ص: 512 ] معينا لأنفسهما . قال ( إلا أن يدعيها المشهود له ) وهذا استحسان ، وهو في القياس كالأول لما بينا من التهمة . وجه الاستحسان أن للقاضي ولاية نصب الوصي ابتداء أو ضم آخر إليهما برضاه بدون شهادتهما فيسقط بشهادتهما مؤنة التعيين عنه ، أما الوصاية تثبت بنصب القاضي . [ ص: 513 ] قال ( وكذلك الابنان ) معناه إذا شهد أن الميت أوصى إلى رجل وهو ينكر لأنهما يجران إلى أنفسهما نفعا بنصب حافظ للتركة


( فصل الشهادة في الوصية )

قال صاحب النهاية : لما لم تكن الشهادة في الوصية أمرا مختصا بالوصية أخر ذكرها لعدم علاقتها فيها انتهى . واقتفى أثره صاحب العناية نقلا عنه . أقول : ليس ذلك بسديد ، لأن الذي لا يختص بالوصية إنما هو مطلق الشهادة ، وأما الشهادة في الوصية فمختصة بها قطعا فلا معنى لقوله لما لم تكن الشهادة في الوصية أمرا مختصا بالوصية كما لا يخفى . والظاهر في وجه التأخير ما ذكره [ ص: 512 ] صاحب الغاية حيث قال : وإنما أخر ذكر الشهادة في الوصية لكونها عارضة غير أصلية لأن الأصل عدم العارض انتهى .

( قوله وجه الاستحسان أن للقاضي ولاية نصب الوصي ابتداء أو ضم آخر إليهما برضاه بدون شهادتهما فيسقط بشهادتهما مؤنة التعيين عنه ، أما الوصاية تثبت بنصب القاضي ) قال صاحب النهاية : فإن قيل : إذا كان للميت وصيان فالقاضي لا يحتاج إلى أن ينصب عن الميت وصيا آخر ، فإذا لم يكن له ذلك من غير شهادة فكذلك عند أداء الشهادة إذا تمكنت التهمة فيه . قلنا : القاضي وإن كان لا يحتاج إلى نصب الوصي لكن الموصى إليهما متى شهدا بذلك كان من زعمهما أنه لا تدبير لنا في هذا المال إلا بالثالث . فأشبه من هذا الوجه ما لم يكن ثمة وصي وهناك تقبل الشهادة فكذلك هنا . كذا ذكره الإمام المحبوبي في باب القضاء بالشهادة من قضاء الجامع الصغير ، إلى هنا لفظ النهاية . واقتفى أثر ذلك جماعة من الشراح منهم صاحب العناية . أقول : كل من السؤال والجواب منظور فيه عندي .

أما السؤال فلا اتجاه له أصلا ، فإن الوصيين اللذين نصبهما الميت إذا كانا عاجزين عن القيام بالوصية فللقاضي أن يضم إليهما وصيا آخر بلا ريب كما تقرر في أوائل باب الوصي وما يملكه ، وإذا لم يكونا عاجزين عنه ولكن سألا القاضي أن يضم إليهما الآخر ورضي به الآخر فله أيضا أن يضم إليهما الآخر كما صرح به في كثير من المعتبرات ، وأشار إليه المصنف هنا بقوله أو ضم آخر إليهما برضاه . قال تاج الشريعة في شرحه : يعني لو سألا من القاضي أن يجعل هذا الرجل وصيا معهما برضاه فعلى القاضي أن يجيبهما في ذلك انتهى .

ثم إن هذا حال الضم إلى الوصيين مطلقا ، وأما فيما نحن فيه فيجب على القاضي أن يضم الثالث إليهما ألبتة وإن بطلت شهادتهما كما نص عليه في عامة المعتبرات ، منها التبيين فإنه قال فيه : فإذا ردت شهادتهما ضم القاضي إليهما ثالثا ، لأن في ضمن شهادتهما إقرار منهما بوصي آخر معهما للميت ، وإقرارهما حجة على أنفسهما فلا يتمكنان من التصرف بعد ذلك بدونه فصار في حقهما بمنزلة ما لو مات أحد الأوصياء الثلاثة . ثم قال في بيان وجه الاستحسان في صورة قبول شهادتهما : وجه الاستحسان أنه يجب على القاضي أن يضم إليهما ثالثا على ما بينا آنفا فيسقط بشهادتهما مؤنة التعيين عنه فيكون وصيا معهما بنصب القاضي إياه انتهى . ومنها المحيط فإنه قال فيه : قال في الأصل : وإذا كذبهما المشهود عليه أدخلت معهما رجلا آخر سوى المشهود عليه ، من مشايخنا من قال ما ذكر أنه يدخل معهما ثالثا قول أبي حنيفة ومحمد ، وأما عند أبي يوسف لا يدخل معهما ثالثا .

ومنهم من يقول لا ، بل المذكور في الكتاب قولهم جميعا وهو الظاهر ، فإنه لم يحك فيه خلافا . وإن صدقهما وقال لا أقبل الوصية قال أدخلت معهما ثالثا . بخلاف ما لو قبل ثم أبى فإنه لا يعمل رده وإباؤه ، إلى هنا لفظ المحيط . وأما الجواب فلأن قياس ما نحن فيه على ما لم يكن ثمة وصي بقوله وهناك تقبل الشهادة فكذلك هنا قياس مع الفارق إذ لا تهمة هناك وفيما نحن فيه تهمة كما بينوا ، وأيضا القاضي يحتاج هناك إلى نصب الوصي وهنا لا يحتاج إليه في زعم المجيب . فأين هذا من ذاك ، ومجرد المشابهة في جهة لا يصحح القياس كما لا يخفى . ثم إن بعض المتأخرين استشكل هذا المقام بوجه آخر فقال فيه : إن وجوب كون المضمون هذا المدعى أثر شهادة المتهم مع أنه لا تقبل شهادة المتهم فكيف يترتب عليها أثر انتهى . أقول : هذا ليس بشيء ، لأن شهادة المتهم إنما لا تقبل في إثبات حق شرعي وإيجابه ، لا في إسقاط شيء كمؤنة التعيين فيما نحن فيه فإن شهادتهما تسقط عن القاضي مؤنة التعيين وإن لم تثبت الوصاية كما أشار إليه [ ص: 513 ] المصنف بقوله فتسقط بشهادتهما مؤنة التعيين عنه . أما الوصاية تثبت بنصب القاضي ، وكم من شيء يكون حجة في الدفع ولا يكون حجة في الإثبات كالاستصحاب ونحوه فيجوز أن تكون شهادة المتهم أيضا كذلك فيترتب عليها أثر الدفع ، ولقد أفصح عنه صاحب الغاية هنا حيث قال : وجه الاستحسان أن القاضي ملك نصب الوصي إذا كان طالبا والموت معروفا فلا يثبت القاضي بهذه الشهادة ولاية لم تكن ، وإنما أسقطت عنه مؤنة التعيين . ومثاله أن القرعة ليست بحجة ، ويجوز استعمالها في تعيين الأنصباء لدفع التهمة عن القاضي فصلحت دافعة لا موجبة ، فكذلك هذه الشهادة تدفع عنه مؤنة التعيين انتهى .

( قوله وكذلك الابنان ) قال الشراح : قوله وكذلك الابنان معطوف على المستثنى منه وهو قوله فالشهادة باطلة ا هـ . أقول : تفسير المصنف قوله وكذلك الابنان بقوله معناه إذا شهدا أن الميت أوصى إلى رجل وهو ينكر يقتضي أيضا بظاهره أن يكون قوله وكذلك الابنان معطوفا على قوله فالشهادة باطلة ، لأن الحكم في صورة الإنكار بطلان الشهادة لا غير ، لكن لم يظهر لي ما دعاهم إلى جعل قوله وكذلك الابنان معطوفا على المستثنى منه فقط دون مجموع المستثنى منه مع صحة المعنى في الثاني أيضا وزيادة الإفادة إذ يصير المعنى إذ ذاك وكذلك حكم شهادة الابنين في صورة أن ينكر المشهود له ما شهدا به ، وفي صورة أن يدعيه فإن شهادتهما تبطل في الصورة الأولى وتقبل في الصورة الثانية استحسانا وهذا جيد جدا فإن جواب مسألة الابنين كجواب مسألة شهادة الوصيين في الصورتين معا كما صرح به في عامة الكتب ، وأما إذا جعل قوله وكذلك الابنان معطوفا على المستثنى منه فقط يلزم أن تكون إحدى صورتي مسألة شهادة الابنين متروكة البيان في الكتاب بالكلية من غير ضرورة ، ولا يخفى ما فيه . فالحق عندي أنه معطوف على المجموع لا محالة ( قوله بخلاف شهادتهما في غير التركة لانقطاع ولاية وصي الأب عنه ، لأن الميت أقامه مقام نفسه في تركته لا في غيرها ) أقول : لقائل أن يقول : هذا التعليل يقتضي أن تجوز شهادتهما لوارث صغير أيضا في غير تركة عند أبي حنيفة لجريانه بعينه هناك أيضا مع أن عدم جواز شهادتهما لوارث صغير بشيء من تركة الميت وغيرها متفق في الكتاب آنفا فليتأمل في الدفع

التالي السابق


الخدمات العلمية