صفحة جزء
قال ( وإذا شهد رجلان لرجلين على ميت بدين [ ص: 514 ] ألف درهم وشهد الآخران للأولين بمثل ذلك جازت شهادتهما ، فإن كانت شهادة كل فريق للآخر بوصية ألف درهم لم تجز ) وهذا قول أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف : لا تقبل في الدين أيضا . وأبو حنيفة فيما ذكر الخصاف مع أبي يوسف . وعن أبي يوسف مثل قول محمد . وجه القبول أن الدين يجب في الذمة وهي قابلة لحقوق شتى فلا شركة ، ولهذا لو تبرع أجنبي بقضاء دين أحدهما ليس للآخر حق المشاركة . وجه الرد أن الدين بالموت يتعلق بالتركة إذ الذمة خربت بالموت ، ولهذا لو استوفى أحدهما حقه من التركة يشاركه الآخر فيه فكانت الشهادة مثبتة حق الشركة فتحققت التهمة ، بخلاف حال حياة المديون لأنه في الذمة لبقائها لا في المال فلا تتحقق الشركة .


( قوله وإذا شهد رجلان لرجلين على ميت إلى آخر الفصل ) قال في العناية : جنس [ ص: 514 ] هذه المسائل أربعة أوجه : الأول ما اختلفوا فيه وهو الشهادة بالدين . والثاني ما اتفقوا على عدم جوازه وهو الشهادة بالوصية بجزء شائع من التركة كالشهادة بألف مرسلة أو بثلث المال . والثالث ما اتفقوا على جوازه وهو أن يشهدا لرجلين بجارية ويشهد المشهود لهما للشاهدين بوصية عبد . والرابع وهو المذكور في الكتاب آخرا هو أن يشهدا لرجلين بعين ويشهد المشهود لهما للشاهدين بألف مرسلة أو بثلث المال ، ومبنى ذلك كله على تهمة الشركة ، فما ثبت فيه التهمة لا تقبل الشهادة فيه وهو الثاني والرابع ، وما لم يثبت فيه التهمة قبلت كما في الثالث على ما ذكر في الكتاب .

وأما الوجه الأول فقد وقع الاختلاف فيه بناء على ذلك أيضا انتهى . أقول : تقسيم صاحب العناية وتقريره هنا مختل ; لأنه إن أراد بالأوجه الأقسام الكلية فهي ثلاثة لا غير : أحدها ما اتفقوا على جوازه . وثانيها ما اتفقوا على عدم جوازه . وثالثها ما اختلفوا فيه . وما عده وجها رابعا داخل في القسم الثاني لا محالة . وإن أراد بها الأمثلة فهي خمسة لا أربعة كما يدل عليه عبارة الكتاب ، فلا وجه لجعل الاثنين منها وجها واحدا ، على أن قوله الأول ما اختلفوا فيه ، والثاني ما اتفقوا على عدم جوازه ، والثالث ما اتفقوا على جوازه لا يساعد كون مراده بالأوجه هو الأمثلة ، بل يقتضي كون مراده بها هو الأقسام الكلية المذكورة كما لا يخفى .

ثم إن صاحبي النهاية والكفاية وإن ذهبا أيضا إلى كون الأوجه في جنس هذه المسائل الأربعة ، إلا أن تقريرهما لا ينافي كون المراد بالأوجه هو الأمثلة والمسائل دون الأقسام الكلية والأصول كما ينافيه تقرير صاحب العناية فإنهما قالا فيه : وجنس هذه المسائل على أربعة أوجه : في الوجه الأول تقبل الشهادة بالإجماع ، وهو أن يشهد الرجلان بوصية عين لرجلين كالعبد ويشهد الموصى لهما لهذين الشاهدين بوصية عين أخرى كالجارية لأنه لا شركة للمشهود فيه فلا تتمكن التهمة . وفي الوجه الثاني لا تقبل بالإجماع ، هو أن يشهد الرجلان بالوصية بجزء شائع كالوصية بثلث ماله ويشهد المشهود لهما للشاهدين بألف مرسلة أيضا .

وفي الوجه الثالث لا تقبل أيضا . وهو أن يشهد الرجلان أن الميت أوصى لهذين الرجلين بعين كالعبد ويشهد المشهود لهما أن الميت أوصى للشاهدين الأولين بثلث ماله ، لأن الشهادة [ ص: 515 ] مثبتة للشركة . وفي الوجه الرابع اختلفوا فيه ، وهو الشهادة بالدين انتهى تدبر تفهم . ثم إن الحق أن تثلث القسمة هنا كما فعله الفقيه أبو الليث في كتاب نكت الوصايا حيث قال : وإذا شهد أربعة نفر شهد هذان لهذين وهذان لهذين على الميت فإن هذا على ثلاثة أوجه : في وجه تقبل شهادتهما بالاتفاق ، وفي وجه لا تقبل بالاتفاق ، وفي وجه اختلفوا فيه ، ثم فصل كل وجه بأمثلته ودليله . وكما فصله شمس الأئمة السرخسي في شرح الكافي للحاكم الشهيد حيث قال : وهاهنا ثلاثة فصول : أحدها ما لا تقبل فيه الشهادة بالاتفاق ، والثاني ما تقبل فيه الشهادة بالاتفاق ، والثالث ما اختلفوا فيه بين كل واحد منها تأمل

التالي السابق


الخدمات العلمية