صفحة جزء
[ ص: 57 ] ( ومنها الخطبة ) ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلاها بدون الخطبة في عمره ( وهي [ ص: 58 ] قبل الصلاة بعد الزوال ) به وردت السنة ( ويخطب خطبتين يفصل بينهما بقعدة ) به جرى التوارث ( ويخطب قائما على طهارة ) ; لأن القيام فيهما متوارث ، ثم هي شرط الصلاة فيستحب فيها الطهارة كالأذان [ ص: 59 ] ( ولو خطب قاعدا أو على غير طهارة جاز ) لحصول المقصود إلا أنه يكره لمخالفته التوارث وللفصل بينهما وبين الصلاة ( فإن اقتصر على ذكر الله جاز عند أبي حنيفة رحمه الله . وقالا : لا بد من ذكر طويل يسمى خطبة ) ; لأن الخطبة هي الواجبة ، والتسبيحة أو التحميدة لا تسمى خطبة . وقال الشافعي لا تجوز حتى يخطب خطبتين اعتبارا للمتعارف .

وله قوله تعالى { فاسعوا إلى ذكر الله } من غير فصل . وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال : [ ص: 60 ] الحمد لله فأرتج عليه فنزل وصلى .


( قوله : ومن شرائطها الخطبة ) بقيد كونها بعد الزوال على ما ذكرناه ، ومن الفقه والسنة تقصيرها وتطويل الصلاة بعد اشتمالها على ما ذكرناه آنفا من الموعظة والتشهد والصلاة وكونها خطبتين . وفي البدائع : قدرهما قدر سورة من طوال المفصل إلى آخره وتقدم أيضا وجه اشتراطها ، وتعاد على وجه الأولوية لو تذكر الإمام فائتة في صلاة الجمعة ، ولو كانت الوتر حتى فسدت الجمعة لذلك فاشتغل بقضائها ، وكذا لو كان أفسد الجمعة فاحتاج إلى إعادتها أو افتتح التطوع بعد الخطبة ، وإن لم يعد الخطبة أجزأه ، وكذا إذا خطب جنبا ، ويكفي لوقوعها الشرط حضور واحد كذا في الخلاصة ، وهو خلاف ما يفيده شرح الكنز حيث قال بحضرة جماعة تنعقد بهم الجمعة وإن كانوا صما أو نياما انتهى . أما الصلاة فلا بد فيها من الثلاثة على ما يأتي .

واعلم أن الخطبة شرط الانعقاد في حق من ينشئ التحريمة للجمعة لا في حق كل من صلاها ، واشترط حضور الواحد أو الجمع ; ليتحقق معنى الخطبة ; لأنها من التسببات ، فعن هذا قالوا : لو أحدث الإمام فقدم من لم يشهدها جاز أن يصلي بهم الجمعة ; لأنه بان تحريمته على تلك المنشأة . والخطبة شرط انعقاد الجمعة في حق من ينشئ التحريمة فقط ، ألا ترى إلى صحتها من المقتدين الذين لم يشهدوا الخطبة ، فعلى هذا كان القياس فيما لو [ ص: 58 ] أفسد هذا الخليفة أن لا يجوز أن يستقبل بهم الجمعة ، لكنهم استحسنوا جواز استقباله بهم ; لأنه لما قام مقام الأول التحق به حكما ، ولو أفسد الأول استقبل بهم فكذا الثاني ، ولو كان الأول أحدث قبل الشروع فقدم من لم يشهد الخطبة لا يجوز ، ولو قدم هذا المقدم غيره ممن شهدها قيل يجوز ، وقيل لا يجوز ; لأنه ليس من أهل إقامة الجمعة بنفسه فلا يجوز منه الاستخلاف ، بخلاف ما لو قدم الأول جنبا شهدها فقدم هذا الجنب طاهرا شهدها حيث يجوز ; لأن الجنب الشاهد من أهل الإقامة بواسطة الاغتسال فيصح منه الاستخلاف ، بخلاف ما لو قدم الأول صبيا أو معتوها أو امرأة أو كافرا فقدم غيره ممن شهدها لم يجز ; لأنهم لم يصح استخلافهم فلم يصر أحدهم خليفة فلا يملك الاستخلاف ، فالمتقدم عن استخلاف أحدهم متقدم بنفسه ، ولا يجوز ذلك في الجمعة وإن جاز في غيرها من الصلوات لاشتراط إذن السلطان للمتقدم صريحا أو دلالة فيها كما قدمنا دون غيرها ، ولا دلالة إلا إذا كان المستخلف تحقق بوصف الخليفة شرعا وليس أحدهم كذلك .

أما في حق غير الكافر فلعدم الأهلية مع العجز عن اكتسابها بخلاف الجنب ، وأما في الكافر فلأن هذا من أمور الدين ، وهو يعتمد ولاية السلطنة ، ولا يجوز أن يثبت للكافر ولاية السلطنة على المسلمين ، بخلاف ما لو قدم الأول مسافرا أو عبدا حيث يجوز خلافا لزفر على ما سيأتي ، فلو لم يقدم الأول أحدا فتقدم صاحب الشرطة أو القاضي جاز ; لأن هذا من أمور العامة ، وقد قلدهما الإمام ما هو من أمور العامة فنزلا منزلته ; ولأن الحاجة إلى الإمام لدفع التنازع في التقدم وذا يحصل بتقدمهما لوجود دليل اختصاصهما من بين الناس وهو كون كل منهما نائبا للسلطان ومن عماله .

فلو قدم أحدهما رجلا شهد الخطبة جاز ; لأنه ثبت لكل منهما ولاية التقدم فله ولاية التقدم ( قوله ثم هي شرط الصلاة إلخ ) هذا صورة قياس علة الحكم في أصله كونه شرطا للصلاة لكنه مفقود في الأصل فضلا عن كونه موجودا غير علة ، إذ الأذان ليس شرطا ، فالأولى ما عينه في الكافي جامعا وهو ذكر الله في المسجد : أي في حدوده لكراهة الأذان في داخله ، ويزاد أيضا فيقال ذكر في المسجد يشترط له الوقت فتستحب الطهارة فيه وتعاد استحبابا إذا [ ص: 59 ] كان جنبا كالأذان ( قوله لحصول المقصود ) وهو الذكر والموعظة ; وهذا لأن المعقول من اشتراطها جعلها مكان الركعتين تحصيلا لفائدتها مع التخفيف حيث لم يحصل مقصودها مع الإتمام ، وقد أثر عن علي وعائشة رضي الله عنها إنما قصرت لمكان الخطبة وهذا حاصل مع القعود وما معه ; لأنها أقيمت مقام الركعتين ; ليشترط لها ما اشترط من الصلاة كما ظن الشافعي رضي الله عنه ; ألا ترى إلى عدم اشتراط الاستقبال فيها وعدم الكلام ، فعلم أن القيام فيها ; لأنه أبلغ في الإعلام إذ كان أنشر للصوت فكان مخالفته مكروها .

ودخل كعب بن عجرة المسجد يوم الجمعة وابن أم حكيم يخطب قاعدا فقال : انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعدا والله تعالى يقول : { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما } رواه مسلم ، ولم يحكم هو ولا غيره بفساد تلك الصلاة ، فعلم أنه ليس بشرط عندهم ( قوله : لا بد من ذكر طويل ) قيل أقله عندهما قدر التشهد قوله : وله قوله تعالى { فاسعوا إلى ذكر الله } من غير فصل بين كونه ذكرا طويلا يسمى خطبة أو ذكرا لا يسمى خطبة فكان الشرط الذكر الأعم [ ص: 60 ] بالقطع ، غير أن المأثور عنه صلى الله عليه وسلم اختيار أحد الفردين : أعني الذكر المسمى بالخطبة والمواظبة عليه فكان ذلك واجبا أو سنة ، لا أنه الشرط الذي لا يجزئ غيره إذ لا يكون بينا ; لعدم الإجمال في لفظ الذكر ، وقد علم وجوب تنزيل المشروعات على حسب أدلتها ، فهذا الوجه يغني عن قصة عثمان فإنها لم تعرف في كتب الحديث بل في كتب الفقه ، وهي أنه لما خطب في أول جمعة ولي الخلافة صعد المنبر فقال : الحمد لله ، فأرتج عليه ، فقال : إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وأنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال ، وستأتيكم الخطب بعد وأستغفر الله لي ولكم ، ونزل وصلى بهم لم ينكر عليه أحد منهم ، فكان إجماعا منهم ، إما على عدم اشتراطها .

وإما على كون نحو الحمد لله ونحوها تسمى خطبة لغة وإن لم تسم به عرفا ، ولهذا { قال صلى الله عليه وسلم للذي قال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى بئس الخطيب أنت } فسماه خطيبا بهذا القدر من الكلام ، والخطاب القرآني إنما تعلقه باعتبار المفهوم اللغوي ; لأن الخطاب مع أهل تلك اللغة بلغتهم يقتضي ذلك ; ولأن هذا العرف إنما يعتبر في محاورات الناس بعضهم لبعض للدلالة على غرضهم ، فأما في أمر بين العبد وربه تعالى فيعتبر فيه حقيقة اللفظ لغة ، ثم يشترط عنده في التسبيحة والتحميدة أن تقال على قصد الخطبة ، فلو حمد لعطاس لا يجزئ عن الواجب ، ومقتضى هذا الكلام أنه لو خطب وحده من غير أن يحضره أحد أنه يجوز ، وهذا الكلام هو المعتمد لأبي حنيفة فوجب اعتبار ما يتفرغ عنه ، وفي الأصل قال فيه روايتان ، فليكن المعتبر إحداهما المتفرعة على الأخرى لا بد من حضور واحد كما قدمنا ، ولا تجزئ بحضرة النساء وحدهن وتجزئ بحضرة الرجال صم أو نيام أو لا يسمعون لبعدهم ولو عبيدا أو مسافرين .

[ فرع ] يكره للخطيب أن يتكلم في حال الخطبة للإخلال بالنظم إلا أن يكون أمرا بمعروف لقصة عمر مع عثمان وهي معروفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية