صفحة جزء
( والصلاة أن يكبر تكبيرة يحمد الله عقيبها ، [ ص: 122 ] ثم يكبر تكبيرة يصلي فيها على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يكبر تكبيرة يدعو فيها لنفسه وللميت وللمسلمين [ ص: 123 ] ثم يكبر الرابعة ويسلم ) لأنه عليه الصلاة والسلام كبر أربعا في آخر صلاة صلاها فنسخت ما قبلها .


( قوله والصلاة أن يكبر تكبيرة يحمد الله عقيبها ) عن أبي حنيفة يقول : سبحانك اللهم وبحمدك إلى آخره ، قالوا لا يقرأ الفاتحة إلا أن [ ص: 122 ] يقرأها بنية الثناء ، ولم تثبت القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفي موطأ مالك عن مالك عن نافع أن ابن عمر كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة ويصلي بعد التكبيرة الثانية كما يصلي في التشهد ، وهو الأولى ، ويدعو في الثالثة للميت ولنفسه ولأبويه وللمسلمين ، ولا توقيت في الدعاء سوى أنه بأمور الآخرة ، وإن دعا بالمأثور فما أحسنه وأبلغه .

ومن المأثور حديث عوف بن مالك { أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظ من دعائه : اللهم اغفر له وارحمه ، وعافه واعف عنه ، وأكرم منزله ووسع مدخله ، واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأبدله دارا خيرا من داره ، وأهلا خيرا من أهله ، وزوجا خيرا من زوجه ، وأدخله الجنة ، وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار ، قال عوف : حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت } رواه مسلم والترمذي والنسائي . وفي حديث إبراهيم الأشهل عن أبيه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة قال : اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا } رواه الترمذي والنسائي ، قال الترمذي : ورواه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم . وزاد فيه { اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان } وفي رواية لأبي داود نحوه . وفي أخرى { ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام . اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده } وفي موطأ مالك عمن سأل أبا هريرة كيف يصلى على الجنازة فقال أبو هريرة : أنا لعمر الله أخبرك : أتبعها من عند أهلها ، فإذا وضعت كبرت وحمدت الله وصليت على نبيه ، ثم أقول : اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك ، كان يشهد أن لا إله إلا أنت ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، وأنت أعلم به . اللهم إن كان محسنا فزد في حسناته ، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته . اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده وروى أبو داود عن واثلة بن الأسقع قال { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين فسمعته يقول : اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحل في جوارك ، فقه من فتنة القبر وعذاب النار ، وأنت أهل الوفاء والحق : اللهم اغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم } وروي أيضا من حديث أبي هريرة سمعته : يعني النبي عليه الصلاة والسلام يقول : { اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها [ ص: 123 ] للإسلام وأنت قبضت روحها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئنا شفعاء فاغفر لها }

( قوله ثم يكبر الرابعة ويسلم ) من غير ذكر بعدها في ظاهر الرواية . واستحسن بعض المشايخ { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } أو { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب } وينوي بالتسليمتين الميت مع القوم ، ولا يصلون في الأوقات المكروهة ، فلو فعلوا لم تكن عليهم الإعادة وارتكبوا النهي ، وإذا جيء بالجنازة بعد الغروب بدءوا بالمغرب ثم بها بسنة المغرب ( قوله لأنه عليه الصلاة والسلام كبر أربعا إلخ ) .

روى محمد بن الحسن : أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي : أن الناس كانوا يصلون على الجنائز خمسا وستا وأربعا حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم كبروا كذلك في ولاية أبي بكر الصديق ثم ولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه ففعلوا ذلك ، فقال لهم عمر : إنكم معشر أصحاب محمد متى تختلفون تختلف الناس بعدكم والناس حديث عهد بالجاهلية ، فأجمعوا على شيء يجمع عليه من بعدكم ، فأجمع رأي أصحاب محمد أن ينظروا آخر جنازة كبر عليها النبي صلى الله عليه وسلم حتى قبض فيأخذون به ويرفضون ما سواه ، فنظروا فوجدوا { آخر جنازة كبر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا } .

وفيه انقطاع بين إبراهيم وعمر وهو غير ضائر عندنا ، وقد روى أحمد من طريق آخر موصولا قال : حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عامر بن شقيق عن أبي وائل قال : جمع عمر الناس فاستشارهم في التكبير على الجنازة ، فقال بعضهم : كبر النبي صلى الله عليه وسلم سبعا ، وقال بعضهم خمسا ، وقال بعضهم أربعا ، فجمع عمر على أربع كأطول الصلاة . وروى الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال : { آخر ما كبر النبي صلى الله عليه وسلم على الجنائز أربع تكبيرات } ، وكبر عمر على أبي بكر أربعا ، وكبر ابن عمر على عمر أربعا ، وكبر الحسن بن علي على علي أربعا ، وكبر الحسين بن علي على الحسن أربعا ، وكبرت الملائكة على آدم أربعا سكت عليه الحاكم ، وأعله الدارقطني بالفرات بن السائب قال متروك .

وأخرجه البيهقي في سننه والطبراني عن النضر بن عبد الرحمن وضعفه البيهقي ، قال : وقد روي من وجوه كلها ضعيفة إلا أن اجتماع أكثر الصحابة رضي الله عنهم على الأربع كالدليل على ذلك . ورواه أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان : حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن عمران ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا نافع أبو هرمز حدثنا عطاء عن ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر على أهل بدر سبع تكبيرات ، وعلى بني هاشم خمس تكبيرات ، ثم كان آخر صلاته أربع تكبيرات إلى أن خرج من الدنيا } ، وقد رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم { أنه كان آخر صلاة كبر فيها أربعا } عن عمر من رواية الدارقطني ، وضعفه .

وروى أبو عمر في الاستذكار عن عبد الوارث بن سفيان عن القاسم عن ابن وضاح عن عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم عن مروان بن معاوية الفزاري عن عبد الله بن الحارث عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن أبيه قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في الجنائز أربعا وخمسا وسبعا وثمانيا ، حتى جاء موت النجاشي فخرج إلى المصلى فصف الناس وراءه فكبر أربعا ، ثم ثبت النبي صلى الله عليه وسلم على أربع حتى توفاه الله عز وجل } ورواه [ ص: 124 ] الحارث بن أبي أسامة في مسنده عن ابن عمر بلفظ ابن عباس وزاد شيئا .

وأخرج الحازمي في كتاب الناسخ والمنسوخ عن أنس بن مالك { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على أهل بدر سبع تكبيرات ، وعلى بني هاشم سبع تكبيرات ، وكان آخر صلاة صلاها أربعا حتى خرج من الدنيا } وضعف . وقد روي { أن آخر صلاة منه عليه الصلاة والسلام كانت أربع تكبيرات من عدة } فلذا قال بعض العلماء : لا توقيت في التكبير ، وجمعوا بين الأحاديث بأنه عليه الصلاة والسلام كان يفضل أهل بدر على غيرهم ، وكذا بنو هاشم ، وكان يكبر عليهم خمسا وعلى من دونهم أربعا ، وأن الذي حكي من آخر صلاته لم يكن الميت من بني هاشم ، وجعل بعضهم حديث النجاشي في الصحيحين ناسخا لأن رواية أبي هريرة وإسلامه متأخر . ولا يخفى أنه نسخ بالاجتهاد والحق هو النسخ ، فإن ضعف الإسناد غير قاطع ببطلان المتن بل ظاهر فيه ، فإذا تأيد بما يدل على صحته من القرائن كان صحيحا وقد تأيد ، وهو كثرة الطرق وانتشارها في الآفاق خصوصا مع كثرة المروي عنه ذلك من الصحابة فإنه يدل على أن آخر ما تقرر عليه الحال منه عليه الصلاة والسلام الأربع ، على أن حديث أبي حنيفة صحيح وإن كان مرسلا لصحة المرسل بعد ثقة الرواة عندنا ، وعند نفاة المرسل إذا اعتضد بما عرف في موضعه كان صحيحا ، وهذا كذلك فإنه قد اعتضد بكثرة في الطرق والرواة وذلك يغلب ظن الحقية ، والله سبحانه أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية