صفحة جزء
( فصل )

( وليس في الفصلان والحملان والعجاجيل صدقة ) عند أبي حنيفة إلا أن يكون معها كبار ، وهذا آخر أقواله وهو قول محمد ، وكان يقول أولا يجب فيها ما يجب في المسان ، وهو قول زفر ومالك ، ثم رجع وقال فيها واحدة منها . وهو قول أبي يوسف والشافعي رحمهما الله . [ ص: 187 ] وجه قوله الأول أن الاسم المذكور في الخطاب ينتظم الصغار والكبار . ووجه الثاني تحقيق النظر من الجانبين كما [ ص: 188 ] يجب في المهازيل واحد منها ووجه الأخير أن المقادير لا يدخلها القياس فإذا امتنع إيجاب ما ورد به الشرع امتنع أصلا ، وإذا كان فيها واحد من المسان [ ص: 189 ] جعل الكل تبعا له في انعقادها نصابا دون تأدية الزكاة ، ثم عند أبي يوسف لا يجب فيما دون الأربعين من الحملان وفيما دون الثلاثين من العجاجيل ، ويجب في خمس وعشرين من الفصلان واحد ثم لا يجب شيء حتى تبلغ مبلغا لو كانت مسان يثني الواجب ، ثم لا يجب شيء حتى تبلغ مبلغا لو كانت مسان يثلث الواجب ، ولا يجب فيما دون خمس وعشرين في رواية . وعنه أنه يجب في الخمس خمس فصيل ، وفي العشر خمسا فصيل على هذا الاعتبار ، وعنه أنه ينظر إلى قيمة خمس فصيل وسط وإلى قيمة شاة في الخمس فيجب أقلهما ، وفي العشر إلى قيمة شاتين وإلى قيمة خمسي فصيل على هذا الاعتبار .


[ ص: 186 ] فصل )

( قوله وليس في الفصلان ) جمع فصيل : ولد الناقة قبل أن يصير ابن مخاض . والعجاجيل جمع عجول ولد البقرة . والحملان جمع حمل بالتحريك : ولد الشاة . صورة المسألة : اشترى خمسة وعشرين فصيلا أو حملا أو عجولا أو وهب له لا ينعقد عليها الحول ، حتى إذا مضى حول من وقت الملك لا تجب فيها بل إذا تم من حين صارت كبارا وتصور أيضا إذا كان له نصاب سائمة فمضى ستة أشهر فولدت نصابا ثم ماتت الأمهات وتم [ ص: 187 ] الحول على الأولاد ( قوله الاسم المذكور في الخطاب ) يعني اسم الشاة ( قوله تحقيق النظر من الجانبين ) جانب صاحب المال بعدم إخراج مسنة ، وجانب الفقراء بعدم إخراج بالكلية كما يجب في المهازيل إلحاقا لنقصان السن بنقصان الوصف لما رأينا النقصان بالهزال رد الواجب الأصلي وهو الوسط إلى واحد منها ولم يبطل أصلا فكذلك النقصان بالسن مع قيام الإسامة واسم الإبل ، إلا أن الرد إلى واحدة منها يمنعنا من ترتيب السن في الإبل والبقر بأن يجب بنت مخاض ثم بنت لبون ثم حقة .

وهكذا تبيع ثم مسنة ، ولم يمنعنا في المهازيل فعملنا بقدر الممكن فقلنا لا شيء حتى تبلغ خمسا وعشرين فصيلا فيكون فيها فصيل ، ثم لا شيء حتى تبلغ ستا وسبعين ففيها فصيلان ، وهكذا في ثلاثين عجولا عجول ، ثم لا شيء حتى تبلغ ستين ففيها عجولان ، ثم لا شيء حتى تبلغ تسعين ففيها ثلاثة عجاجيل لأن السبب متى ثبت ثبت حكمه إلا بقدر المانع ، هذا على أقوى الروايات عن أبي يوسف وهي رواية محمد .

وبهذا التقرير اندفع استبعاد محمد إذ قال : إنه عليه الصلاة والسلام أوجب في خمس وعشرين واحدة في مال اعتبر قبله أربعة نصب ، وفي ست وسبعين ثنتين في موضع اعتبر ثلاث نصب بينها وبين خمس وعشرين ، ففي المال الذي لا يمكن اعتبار هذه النصب فيه لو أوجبنا كان بالرأي لا بالنص ولا مدخل للرأي هنا [ ص: 188 ] قوله ووجه الأخير ) أي من أقاويل أبي حنيفة وهو قول محمد إن المقادير لا يدخلها القياس ، فإذا امتنع إيجاب ما ورد به النص امتنع أصلا .

والنص ورد بالشاة والبقرة والناقة لا مطلقا بل ذات السن المعين من الثنية والتبيع وبنت المخاض مثلا ولم يوجد فتعذر الإيجاب . فإن قيل : لا نسلم أنه لم يوجب الصغار أصلا ، ففي حديث أبي بكر في قتال مانعي الزكاة : لو منعوني عناقا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه . فدل أنه كان يعطى في الزكاة : سلمناه ، لكن إيجاب الأسنان المعينة لم يتوقف على وجودها في الموجب فيه ; ألا يرى أنه أوجب في خمس من الإبل شاة ، وليست فيها فلم يتوقف إيجابها على أن تكون عنده بل يجب عليه أن يستحدث ملكها بطريقه ويدفعها ، فكذا يجب عليه أن يستحدث ملك مسنة ويدفعها .

قلنا أما الأول فيدل على نفيه ما في أبي داود والنسائي عن سويد بن غفلة قال { أتانا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته فجلست إليه فسمعته يقول : في عهدي : يعني في كتابي أن لا آخذ راضع لبن } الحديث دل بالمطابقة على عدم أخذها مطلقا ، وبالالتزام على أن ليس في الصغار واحدة منها ، إذ لو كان لأخذت الراضع ، وحديث أبي بكر لا يعارضه لأن أخذ العناق لا يستلزم الأخذ من الصغار لأن الظاهر ما قدمنا في حديث المرتدفين في صدقة الغنم أن العناق يقال على الجذعة والثنية ولو مجازا ، فارجع إليه فيجب الحمل عليه دفعا للتعارض ، ولو سلم جاز أخذها بطريق القيمة لا أنها هي نفس الواجب ، ونحن نقول به أو هو على طريق المبالغة لا التحقيق يدل عليه أن في الرواية الأخرى عقالا مكان العناق .

وأما الثاني فإنه يستلزم إيجاب الكرائم وهو منتف بما في الصحيح وغيره من قوله لمعاذ { إياك وكرائم أموالهم } وروي معناه كثيرا حتى صار من ضروريات الزكاة ومناقض لما عرف بالضرورة في أصول الزكوات من كون الواجب قليلا من كثير ، وربما نأتي المسنة على غالب الحملان أو كلها خصوصا إذا كانت أسنانها يومين أو ثلاثة فيكون هذا إيجاب إخراج كل المال معنى وهو معلوم النفي بالضرورة ، بل يخرج عن كونه زكاة المال فإن إضافة اسم زكاة المال يأبى كونه إخراج الكل .

ويرد عليه أن إخراج الكرائم والكثير من القليل يلزمكم فيما إذا كان فيها مسنة واحدة فإنها بالنسبة إلى الباقي كذلك ، غاية الأمر أن لزوم إخراج الكل معنى منتف لكن ثبوت انتفاء إخراج الأكثر في الشرع كثبوت انتفاء إخراج الكل ، فما هو جوابكم عن هذا فهو جوابنا عن ذلك . ويجاب بأن الإجماع على ثبوت هذا الحكم في صورة وجود مسنة مع الحملان وهو على خلاف القياس : أعني ما قدمنا من [ ص: 189 ] ضرورية الانتفاءين في غيرها فلا يجوز أن يلحق بها ( قوله جعل الكل تبعا له في انعقادها نصابا دون تأدية الزكاة ) لأنه إنما يجب من الثنيات ، هذا إذا كان عدد الواجب من الكبار موجودا فيها ، أما إذا لم يكن فلا يجب بيانه ، لو كانت مسنتان ومائة وتسعة عشر حملا يجب فيها مسنتان ، ولو كانت له مسنة واحدة ومائة وعشرون حملا ; فعند أبي حنيفة ومحمد تجب مسنة واحدة ، وعند أبي يوسف مسنة وحمل ، وعلى هذا القياس فصيل الإبل والبقر ، وإذا وجبت المسنة دفعت وإن كانت دون الوسط لأن الوجوب باعتبارها فلا يزاد عليها ، فإن هلكت بعد الحول بطلت الزكاة ، لأنه لما كان الوجوب باعتبارها كان هلاكها كهلاك الكل ، والحكم لا يبقى في التبع بعد فوات الأصل ، وعند أبي يوسف يبقى في الصغار تسعة وثلاثون جزءا من أربعين جزءا من الحمل لأن عنده الصغار أصل في الوجوب ، إلا أن فضل الكبير كان باعتبار تلك المسنة فيبطل بهلاكها ويكون هذا نقصانا للنصاب ، ولو هلكت الحملان وبقيت المسنة يؤخذ قسطها وهو جزء من أربعين جزءا من المسنة جعل هلاك المسنة كهلاك الكل ولم يجعل قيامها كقيام الكل ، والفرق يطلب في شرح الزيادات ( قوله ثم عن أبي يوسف إلخ ) تقدم شرح هذا في أثناء تقرير وجه قول أبي يوسف

التالي السابق


الخدمات العلمية