صفحة جزء
( ويجوز دفع القيم في الزكاة ) عندنا وكذا في الكفارات وصدقة الفطر والعشر [ ص: 192 ] والنذر . وقال الشافعي : لا يجوز اتباعا للمنصوص كما في الهدايا والضحايا . ولنا أن الأمر بالأداء إلى الفقير إيصالا للرزق الموعود إليه فيكون إبطالا لقيد الشاة [ ص: 193 ] وصار كالجزية ، بخلاف الهدايا لأن القربة فيها إراقة الدم وهو لا يعقل . ووجه القربة في المتنازع فيه سد خلة المحتاج وهو معقول .


( قوله ويجوز دفع القيم في الزكاة ) فلو أدى ثلاث شياه سمان عن أربع وسط أو بعض بنت لبون عن بنت مخاض جاز لأن المنصوص عليه الوسط فلم يكن الأعلى داخلا في النص والجودة معتبرة في غير الربويات فتقوم مقام الشاة الرابعة ، بخلاف ما لو كان مثليا بأن أدى أربعة أقفزة جيدة عن خمسة وسط وهي تساويها لا يجوز أو كسوة بأن أدى ثوبا يعدل ثوبين لم يجز إلا عن ثوب واحد ، أو نذر أن يهدي شاتين وسطين أو يعتق عبدين وسطين فأهدى شاة أو أعتق عبدا يساوي كل منهما وسطين لا يجوز ، أما الأول فلأن الجودة غير معتبرة عند المقابلة بجنسها فلا تقوم الجودة مقام القفيز الخامس .

وأما الثاني فلأن المنصوص عليه مطلق الثوب في الكفارة لا بقيد الوسط فكان الأعلى وغيره داخلا تحت النص .

وأما الثالث فلأن القربة في الإراقة والتحرير وقد التزم إراقتين وتحريرين فلا يخرج عن العهدة بواحد ، بخلاف النذر بالتصدق بأن نذر أن يتصدق بشاتين وسطين فتصدق بشاة تعدلهما جاز لأن المقصود إغناء الفقير وبه تحصل القربة [ ص: 192 ] وهو يحصل بالقيمة ، وعلى ما قلنا لو نذر أن يتصدق بقفيز دقل فتصدق بنصفه جيدا يساوي تمامه لا يجزئه لأن الجودة لا قيمة لها هنا للربوية والمقابلة بالجنس ، بخلاف جنس آخر لو تصدق بنصف قفيز منه يساويه جاز الكل من الكافي ( قوله والنذر ) بأن نذر أن يتصدق بهذا الدينار فتصدق بعدله دراهم أو بهذا الخبز فتصدق بقيمته جاز عندنا ( قوله اتباعا للمنصوص ) وهو اسم الشاة وبنت المخاض والتبيع إلى آخرها .

( قوله ولنا أن الأمر بالأداء ) أي أداء الشاة وغيرها لغرض إيصال الرزق الموعود لأنه تعالى وعد أرزاق الكل ، فمنهم من سبب له سببا كالتجارة وغيرها ، ومنهم من قطعه عن الأسباب ثم أمر الأغنياء أن يعطوهم من ماله تعالى من كل كذا كذا ، فعرف قطعا أن ذلك إيصال للرزق الموعود لهم وابتلاء للمكلف به بالامتثال ليظهر منه ما علمه تعالى من الطاعة أو المخالفة فيجازي به فيكون الأمر بصرف المعين مصحوبا بهذا الغرض مصحوبا بإبطال القيد ومفيد أن المراد قدر المالية إذ أرزاقهم ما انحصرت في خصوص الشاة بل للإنسان حاجات مختلفة الأنواع ، فظهر أن هذا ليس إبطال النص بالتعليل بل إبطال أن التنصيص على الشاة ينفي غيرها مما هو قدرها في المالية ، ثم هو ليس بالتعليل بل مجموع نصي الوعد بالرزق والأمر بالدفع إلى الموعود به مما ينساق الذهن منه إلى ذلك ، فإنك إذا سمعت قول القائل يا فلان مؤنتك علي ثم قال يا فلان أعطه من مالي عندك من كل كذا كذا لا يكاد ينفك عن فهمك من مجموع وعد ذاك وأمر الآخر بالدفع إليه أن ذلك الإنجاز الوعد فيكون جواز القيمة مدلولا التزاميا لمجموع معنى النصين لانتقال الذهن عند سماعهما من معناهما إلى ذلك فيكون مدلولا لا تعليلا ، على أنه لو كان تعليلا لم يكن مبطلا للمنصوص عليه بل توسعة لمحل الحكم ، فإن الشاة المنصوص عليها بعد التعليل محل للدفع ، كما أن قيمتها محل أيضا وليس التعليل حيث كان إلا لتوسعة المحل .

ثم قد رأينا في المنقول ما يدل عليه وهو ما قدمناه من قوله عليه الصلاة والسلام " ومن تكون عنده صدقة الجذعة وليست عنده الجذعة وعنده الحقة فإنها تؤخذ منهم مع شاتين [ ص: 193 ] إن استيسرتا أو عشرين درهما " فانتقل إلى القيمة في موضعين ، فعلمنا أن ليس المقصود خصوص عين السن المعين وإلا لسقط إن تعذر أو أوجب عليه أن يشتريه فيدفعه .

وقال طاوس : قال معاذ لأهل اليمن : آتوني بخميس أو لبيس مكان الذرة والشعير أهون عليكم وخير لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة . رواه البخاري معلقا وتعليقه صحيح . وقال ابن أبي شيبة في مصنفه : حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن مجالد عن قيس بن أبي حازم عن الصنابح الأحمسي قال { أبصر النبي صلى الله عليه وسلم ناقة حسنة في إبل الصدقة فقال : ما هذه ؟ قال صاحب الصدقة : إني ارتجعتها ببعيرين من حواشي الإبل ، قال : نعم إذا } فعلمنا أن التنصيص على الأسنان المخصوصة والشاة لبيان قدر المالية وتخصيصها في التعبير لأنها أسهل على أرباب المواشي ( قوله وصار كالجزية ) يؤخذ فيها قدر الواجب كما تؤخذ عينه .

التالي السابق


الخدمات العلمية