صفحة جزء
قال ( وما صدق فيه المسلم صدق فيه الذمي ) ; لأن ما يؤخذ منه ضعف ما يؤخذ من المسلم فتراعى تلك الشرائط تحقيقا للتضعيف [ ص: 227 ] ( ولا يصدق الحربي إلا في الجواري يقول : هن أمهات أولادي ، أو غلمان معه يقول : هم أولادي ) ; لأن الأخذ منه بطريق الحماية وما في يده من المال يحتاج إلى الحماية غير أن إقراره بنسب من في يده منه صحيح ، فكذا بأمومية الولد ; لأنها تبتني عليه فانعدمت صفة المالية فيهن ، والأخذ لا يجب إلا من المال .

قال ( ويؤخذ من المسلم ربع العشر [ ص: 228 ] ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي العشر ) هكذا أمر عمر رضي الله عنه سعاته ( وإن مر حربي بخمسين درهما لم يؤخذ منه شيء إلا أن يكونوا يأخذون منا من مثلها ) ; لأن الأخذ منهم بطريق المجازاة ، بخلاف المسلم والذمي ; لأن المأخوذ زكاة أو ضعفها فلا بد من النصاب وهذا في الجامع الصغير ، وفي كتاب الزكاة لا نأخذ من القليل وإن كانوا يأخذون منا منه ; لأن القليل لم يزل عفوا ولأنه لا يحتاج إلى الحماية . قال ( وإن مر حربي بمائتي درهم ولا يعلم كم يأخذون منا نأخذ منه العشر ) لقول عمر رضي الله عنه : فإن أعياكم فالعشر ( وإن علم أنهم يأخذون منا ربع [ ص: 229 ] العشر أو نصف العشر نأخذ بقدره ، وإن كانوا يأخذون الكل لا نأخذ الكل ) ; لأنه غدر ( وإن كانوا لا يأخذون أصلا لا نأخذ ) ليتركوا الأخذ من تجارنا ولأنا أحق بمكارم الأخلاق .


( قوله فتراعى تلك الشرائط ) من الحول والنصاب والفراغ من الدين وكونه للتجارة لأنه في معنى الزكاة كصدقة بني تغلب تحقيقا للتضعيف ، فإن تضعيف الشيء إنما يتحقق إذا كان وإلا كان تبديلا ، لكن بقي أنه أي داع إلى اعتباره تضعيفا لا ابتداء وظيفة عند دخوله تحت الحماية لا بد له من الدليل ، وبنو تغلب روعي فيهم ذلك لوقوع الصلح عليه . والمروي عن عمر في رواية محمد بن الحسن عن أبي حنيفة عن أبي صخر المحاربي عن زياد بن حدير قال : بعثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عين التمر مصدقا ، فأمرني أن آخذ من المسلمين من أموالهم إذا اختلفوا بها للتجارة ربع العشر ، ومن أموال [ ص: 227 ] أهل الذمة نصف العشر ، ومن أموال أهل الحرب العشر ، لا يدل على ذلك الاعتبار ، وكذا ما رواه عبد الرزاق بسنده وغيره ، والمعنى الذي ذكروه وهو أنه أحوج إلى الحماية من المسلم فيؤخذ منه ضعفه لا يقتضي ذلك لجواز أن يكون بسبب ما ذكر أخذ منه أكثر واختير مثلاه ، ألا يرى أن باقي هذا المعنى وهو قولهم والحربي من الذمي بمنزلة الذمي من المسلم ; ألا ترى أن شهادة الذمي عليه وله جائزة كشهادة المسلم على الذمي ، والذي يؤخذ من الذمي ضعف ما يؤخذ من المسلم فيؤخذ منه ضعف ما يؤخذ من الذمي لم يوجب اعتبار تلك الشروط فيما يؤخذ من الحربي . فلو اقتضى هذا المعنى اعتباره تضعيف عين المأخوذ من الذمي لزم مراعاتها

( قوله ولا يصدق الحربي إلا في الجواري إلخ ) العبارة الجيدة أن يقال : ولا يلتفت أو لا يترك الأخذ منه ، لا ولا يصدق لأنه لو صدق بأن ثبت صدقه ببينة عادلة من المسلمين المسافرين معه في دار الحرب أخذ منه ، فإن المأخوذ ليس زكاة ليكف عنه [ ص: 228 ] لعدم الحول ووجود الدين ، وإن قال : هو بضاعة فهو أحوج إلى الحماية من مال المستأمن إذ لا أمن لصاحب المال بل للمار ، بخلاف النسب فإنه يثبت في دار الحرب كهو في دار الإسلام ، وبه يخرج من أن يكون مالا أما على قوله فظاهر وأما على قولهما ، فإذا كانوا يدينون ذلك كما إذا مر بجلود الميتة فإن الأخذ منه عنها على هذا التفصيل . والحاصل أنه لا يؤخذ إلا من مال ، وإن قال : هم مدبرون لا يلتفت إليه ; لأن التدبير لا يصح في دار الحرب

( قوله لأن الأخذ منهم بطريق المجازاة ) أي أخذهم بكمية خاصة بطريق المجازاة لا أصل الأخذ فإنه حق منا وباطل منهم فالحاصل أن دخوله في الحماية أوجب حق الأخذ للمسلمين ، ثم إن عرف كمية ما يأخذون من تجارنا أخذنا منهم مثله مجازاة ، إلا إن عرف أنهم يأخذون الكل فلا نأخذه على المختار بل نبقي معه قدر ما يبلغه إلى مأمنه .

وقيل نأخذ الكل مجازاة زجرا لهم عن مثله معنا ، قلنا : ذلك بعد إعطاء الأمان غدر ولا نتخلق نحن به لتخلقهم به بل نهينا عنه وصار كما لو قتلوا الداخل إليهم بعد إعطائه الأمان نفعل ذلك لذلك ، وإلا أن يكون قليلا على رواية كتاب الزكاة لأن القليل لم يزل عفوا ولأنه يستصحب للنفقة ودفع الحاجة فكان كالمعدوم . وعلى رواية الجامع يجازون بالأخذ [ ص: 229 ] منه وإن لم يعرف كمية ما يأخذون ، فالعشر لأنه قد ثبت حق الأخذ بالحماية وتعذر اعتبار المجازاة فقدر بمثلي ما يؤخذ من الذمي لأنه أحوج إلى الحماية منه ولما قلناه آنفا وإن عرف أنهم يتركون الأخذ من تجارنا تركنا نحن حقنا لتركهم ظلمهم لأن تركهم إياه مع القدرة عليه تخلق منهم بالإحسان إلينا ، ونحن أحق بمكارم الأخلاق منهم

التالي السابق


الخدمات العلمية