صفحة جزء
( باب زكاة الزروع والثمار ) [ ص: 242 ] ( قال أبو حنيفة رحمه الله : في قليل ما أخرجته الأرض وكثيره العشر ، سواء سقي سيحا أو سقته السماء ، إلا الحطب والقصب والحشيش . وقالا : لا يجب العشر إلا فيما له ثمرة باقية إذا بلغ خمسة أوسق ، والوسق ستون صاعا بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم . وليس في الخضراوات عندهما عشر ) فالخلاف في موضعين : في اشتراط النصاب ، وفي اشتراط البقاء . لهما في الأول قوله عليه الصلاة والسلام { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } [ ص: 243 ] ولأنه صدقة فيشترط فيه النصاب ليتحقق الغنى .

ولأبي حنيفة رحمه الله قوله عليه الصلاة والسلام { ما أخرجت الأرض ففيه العشر من غير فصل } وتأويل ما روياه زكاة التجارة ; لأنهم كانوا يتبايعون بالأوساق وقيمة الوسق أربعون درهما ، ولا معتبر بالمالك فيه فكيف بصفته وهو المعنى ولهذا لا يشترط الحول ; لأنه للاستنماء وهو كله نماء . ولهما في الثاني قوله عليه الصلاة والسلام { ليس في الخضراوات صدقة } والزكاة غير منفية فتعين [ ص: 244 ] العشر وله ما روينا ، ومرويهما محمول على صدقة يأخذها العاشر ، وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله فيه ; لأن الأرض قد تستنمى بما لا يبقى والسبب هي الأرض النامية [ ص: 245 ] ولهذا يجب فيها الخراج أما الحطب والقصب والحشيش فلا تستنبت في الجنان عادة بل تنقى عنها حتى لو اتخذها مقصبة أو مشجرة أو منبتا للحشيش يجب فيها العشر ، والمراد بالمذكور القصب الفارسي أما قصب السكر وقصب الذريرة ففيهما العشر ; لأنه يقصد بهما استغلال الأرض ، بخلاف السعف والتبن ; لأن المقصود الحب والتمر دونهما


( باب زكاة الزروع والثمار ) قيل تسميته زكاة على قولهما لاشتراطهما النصاب والبقاء بخلاف قوله : وليس بشيء إذ لا شك في أن المأخوذ عشرا أو نصفه زكاة حتى يصرف مصارف الزكاة ، وغاية ما في الباب أنهم اختلفوا في إثبات بعض شروط لبعض [ ص: 242 ] أنواع الزكاة ونفيها ، وهذا لا يخرجه عن كونه زكاة ( قوله : إلا الحطب والقصب والحشيش ) ظاهره كون ما سوى ما استثني داخلا في الوجوب ، وسينص على إخراج السعف والتبن إلا أن يقال : يمكن إدراجهما في مسمى الحشيش على ما فيه .

وأما ما ذكروا من إخراج الطرفاء والدلب وشجر القطن والباذنجان فيدرج في الحطب ، لكن بقي ما صرحوا به من أنه لا شيء في الأدوية كالهليلج والكندر ، ولا يجب فيما يخرج من الأشجار كالصمغ والقطران ، ولا فيما هو تابع للأرض كالنخل والأشجار لأنها كالأرض ولذا تستتبعها الأرض في البيع ، ولا في كل بزر لا يطلب بالزراعة كبزر البطيخ والقثاء لكونها غير مقصودة في نفسها ، ويجب في العصفر والكتان وبزره لأن كلا منهما مقصود ، وعدم الوجوب في بعض هذه مما لا يرد على الإطلاق بأدنى تأمل

( قوله إلا فيما له ثمرة باقية ) وهي ما تبقى سنة بلا علاج غالبا ، بخلاف ما يحتاج إليه كالعنب في بلادهم والبطيخ الصيفي في ديارنا ، وعلاجه الحاجة إلى تقليبه وتعليق العنب ( قوله والوسق ستون صاعا بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وكل صاع أربعة أمناء ، فخمسة أوسق ألف ومائتا من . قال الحلواني : هذا قول أهل الكوفة . وقال أهل البصرة : الوسق ثلاثمائة من ، وكون الوسق ستين صاعا مصرح به في رواية ابن ماجه لحديث الأوساق ، كما سنذكره ، ولو كان الخارج نوعين كل أقل من خمسة أوسق لا يضم ، وفي نوع واحد يضم الصنفان كالجيد والرديء ، والنوع الواحد هو ما لا يجوز بيعه بالآخر متفاضلا ( قوله وليس في الخضراوات ) كالرياحين والأوراد والبقول والخيار والقثاء والبطيخ والباذنجان وأشباه ذلك ، وعنده يجب في كل ذلك

( قوله لهما في الأول قوله عليه الصلاة والسلام { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } ) رواه البخاري في حديث طويل ومسلم ولفظه { ليس في حب ولا تمر صدقة حتى [ ص: 243 ] تبلغ خمسة أوسق } ثم أعاده من طريق آخر وقال في آخره : غير أنه قال بدل التمر ثمر يعني بالمثلثة فعلم أن الأول بالمثناة ، وزاد أبو داود فيه : والوسق ستون مختوما ، وابن ماجه . والوسق ستون صاعا ( قوله ولأبي حنيفة رحمه الله عليه الصلاة والسلام { ما أخرجت الأرض ففيه العشر } ) أخرج البخاري عنه عليه الصلاة والسلام { فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر } ، وروى مسلم عنه عليه الصلاة والسلام { فيما سقت الأنهار والغيم العشر ، وفيما سقي بالسانية نصف العشر } وفيه من الآثار أيضا ما أخرج عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سماك بن الفضل عن عمر بن عبد العزيز قال : فيما أنبتت من قليل وكثير العشر ، وأخرج نحوه عن مجاهد وعن إبراهيم النخعي ، وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا عن عمر بن عبد العزيز ومجاهد وعن النخعي ، وزاد في حديث النخعي : حتى في كل عشر دستجات بقل أستجة . والحاصل أنه تعارض عام وخاص ، فمن يقدم الخاص مطلقا كالشافعي قال بموجب حديث الأوساق ، ومن يقدم العام أو يقول يتعارضان ويطلب الترجيح إن لم يعرف التاريخ وإن عرف فالمتأخر ناسخ ، وإن كان العام كقولنا يجب أن يقول بموجب هذا العام هنا لأنه لما تعارض مع حديث الأوساق في الإيجاب فيما دون خمسة الأوسق كان الإيجاب أولى للاحتياط ، فمن تم له المطلوب في نفس الأصل الخلافي تم له هنا ، ولولا خشية الخروج عن الغرض لأظهرنا صحته أي إظهار مستعينا بالله تعالى ، وإذا كان كذلك فهذا البحث يتم على الصاحبين لالتزامهما الأصل المذكور ، وما ذكره المصنف من حمل مرويهما على زكاة التجارة طريقة الجمع بين الحديثين . قيل ولفظ الصدقة يشعر به ، فإن المعروف في الواجب فيما أخرجت اسما العشر لا الصدقة بخلاف الزكاة

( قوله ولهما في الثاني قوله عليه الصلاة والسلام ) روى [ ص: 244 ] نفي العشر في الخضراوات بألفاظ متعددة سوقها يطول في الترمذي من حديث معاذ ، وقال : إسناده ليس بصحيح وليس يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء . وروى الحاكم هذا المعنى أيضا وصححه ، وغلط بأن إسحاق بن يحيى تركه أحمد والنسائي وغيرهما .

وقال أبو زرعة : موسى بن طلحة وهو الراوي عن معاذ مرسل عن عمر ، ومعاذ توفي في خلافة عمر ، فرواية موسى عنه مرسلة . وما قيل : إن موسى هذا ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وسماه لم يثبت . والمشهور في هذا ما روى سفيان الثوري عن عمرو بن عثمان عن موسى بن طلحة قال : عندنا كتاب معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه إنما أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر } وأحسن ما فيها حديث مرسل رواه الدارقطني عن موسى بن طلحة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يؤخذ من الخضراوات صدقة } والمرسل حجة عندنا لكن يجيء فيه ما تقدم من تقديم من العام عند المعارضة ، وما ذكره المصنف من أن المنفي أن يأخذ منها العاشر إذا مر بها عليه ، ويشير إليه لفظ هذا المرسل . إذ قال نهى أن يؤخذ ، وهو لا يستلزم نفي وجوب أن يدفع المالك للفقراء . والمعقول من هذا النهي أنه لما فيه من تفويت المصلحة على الفقير ; لأن الفقراء ليسوا مقيمين عند العاشر ولا بقاء للخضروات فتفسد قبل الدفع إليهم ; ولذا قلنا : لو أخذ منها العاشر ليصرفه إلى عمالته كان له ذلك

( قوله والسبب هي الأرض النامية ) أي بالخارج تحقيقا في حق العشر ، ولذا لا يجوز تعجيل العشر لأنه حينئذ قبل السبب ، فإذا أخرجت أقل من خمسة أوسق لو لم نوجب شيئا لكان إخلاء للسبب عن الحكم ، وحقيقة الاستدلال إنما هو بالعام السابق ; لأن السببية لا تثبت إلا بدليل الجعل ، والمفيد لسببيتها كذلك هو ذلك ، وإلا فالحديث الخاص أفاد أن السبب الأرض النامية بإخراج خمسة أوسق فصاعدا مطلقا فلا يصح هذا مستقلا بل هو فرع العام المفيد سببيتها مطلقا . واعلم أن ما ذكرنا من منع تعجيل العشر فيه خلاف أبي يوسف ، فإنه أجازه بعد الزرع قبل النبات وقبل طلوع الثمرة في الشجر ، هكذا حكى مذهبه في [ ص: 245 ] الكافي . وفي المنظومة خص خلافه بثمر الأشجار بناء على ثبوت السبب نظرا إلى أن بنمو الأشجار يثبت نماء الأرض تحقيقا فيثبت السبب ، بخلاف الزرع فإنه ما لم يظهر لم يتحقق نماء الأرض ، ثم إذا ظهر فأدى يجوز اتفاقا وهل يكون تعجيلا ينبني على وقت الوجوب متى هو ، فعند أبي حنيفة عند ظهور الثمرة فلا يكون تعجيلا ، وعند أبي يوسف وقت الإدراك ، وعند محمد عند تصفيته وحصوله في الحظيرة فيكون تعجيلا . وثمرة هذا الخلاف تظهر في وجوب الضمان بالإتلاف . قال الإمام : يجب عليه عشر ما أكل أو أطعم ، ومحمد يحتسب به في تكميل الأوسق : يعني إذا بلغ المأكول مع ما بقي خمسة أوسق يجب العشر في الباقي لا في التألف .

وأما أبو يوسف فلا يعتبر الذاهب بل يعتبر في الباقي خمسة أوسق إلا أن يأخذ المالك من المتلف ضمان ما أتلفه فيخرج عشره وعشر ما بقي ( قوله ولهذا يجب فيها الخراج ) أي لكونها السبب ، إلا أن سببيتها تختلف بالنسبة إلى العشر والخراج ، ففي الخراج بالنماء التقديري فلذا يجب ويؤخذ بمجرد التمكن من الزراعة وإن لم يزرع وفي العشر بالتحقيقي كما قدمنا ( قوله وقصب الذريرة ) نوع من القصب في مضغه حرافة ومسحوقه عطر ( قوله بخلاف السعف والتبن ) وإنما [ ص: 246 ] لم يجب في التبن لأنه غير مقصود بزراعة الحب غير أنه قصله قبل انعقاد الحب وجب العشر فيه لأنه صار هو المقصود ، ولا حاجة إلى أن يقال كان العشر فيه قبل الانعقاد ثم تحول عند الانعقاد . وعن محمد في التبن إذا يبس فيه العشر

التالي السابق


الخدمات العلمية