صفحة جزء
[ ص: 281 ] باب صدقة الفطر قال رحمه الله : ( صدقة الفطر واجبة على الحر المسلم إذا كان مالكا لمقدار النصاب فاضلا عن مسكنه وثيابه [ ص: 282 ] وأثاثه وفرسه وسلاحه وعبيده ) أما وجوبها فلقوله عليه الصلاة والسلام في خطبته { أدوا عن كل حر وعبد صغير أو كبير نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير } رواه ثعلبة بن صعير العدوي أو صعير العذري رضي الله تعالى عنه ، وبمثله يثبت الوجوب لعدم القطع


( باب صدقة الفطر )

الكلام في كيفيتها وكميتها وشرطها وسببها وسبب شرعيتها وركنها ووقت وجوبها ووقت الاستحباب ، ولا يخفى أن الركن هو نفس الأداء إلى المصرف ، وسبب شرعيتها ما نص عليه في رواية أبي داود وابن ماجه عن ابن عباس { فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث ، وطعمة للمساكين ، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات } ورواه الدارقطني وقال : ليس في رواته مجروح والباقي يأتي في الكتاب بحثا بحثا .

فالأول وهو كيفية الوجوب لحديث ثعلبة بن صعير العدوي وهو حديث مروي في سنن أبي داود والدارقطني . ومسند عبد الرزاق ، وقد اختلف فيه في الاسم والنسبة والمتن ، فالأول : أهو ثعلبة بن أبي صعير أو هو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير أو عبد الله بن ثعلبة بن صعير عن أبيه ، والثاني : أهو العدوي أو العذري فقيل العدوي نسبة إلى جده الأكبر عدي وقيل : العذري وهو الصحيح ذكره في المغرب وغيره .

وقال أبو علي الغساني في تقييد المهمل : العذري بضم الذال المعجمة وبالراء هو عبد الله بن ثعلبة بن صعير أبو محمد حليف بني زهرة رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير ، والعدوي تصحيف أحمد بن صالح .

والثالث : أهو أدوا صدقة الفطر صاعا من تمر أو قمح عن كل رأس ، أو هو صدقة الفطر صاع من بر أو قمح على كل اثنين . قال في الإمام : ويمكن أن يحرف لفظ رأس إلى اثنين ا هـ . لكن تبعده رواية بين اثنين وهي من طرقه الصحيحة التي لا ريب فيها طريق عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج عن ابن شهاب [ ص: 282 ] عن عبد الله بن ثعلبة قال { خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس قبل يوم الفطر بيوم أو يومين ، فقال : أدوا صاعا من بر أو قمح بين اثنين ، أو صاعا من تمر أو شعير عن كل حر وعبد صغير أو كبير } وهذا سند صحيح .

وفي غير هذه من أين يجاء بالراء ، وهذا على أن مقصود المصنف الاستدلال به على نفس الوجوب لا على قدر الواجب ، وهو حاصل على كل حال ; وسيأتي استدلاله في قدره بحديث آخر ، ومما يستدل به على الوجوب ما استدل به الشافعي رحمه الله على الافتراض وهو حديث ابن عمر في الصحيحين { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين } فإن حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية في كلام الشارع متعين ما لم يقم صارف عنه ، والحقيقة الشرعية في الفرض غير مجرد التقدير خصوصا وفي لفظ البخاري ومسلم في هذا الحديث { أنه عليه الصلاة والسلام أمر بزكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير } قال ابن عمر : فجعل الناس عدله مدين من حنطة ومعنى لفظ " فرض " هو معنى " أمر " أمر إيجاب ، والأمر الثابت بظني إنما يفيد الوجوب فلا خلاف في المعنى ، فإن الافتراض الذي يثبتونه ليس على وجه يكفر جاحده فهو معنى الوجوب الذي نقول به ، غاية الأمر أن الفرض في اصطلاحهم أعم من الواجب في عرفنا فأطلقوه على أحد جزأيه ومنه ما في المستدرك وصححه عن ابن عباس { أنه عليه الصلاة والسلام أمر صارخا ببطن مكة ينادي : أن صدقة الفطر حق واجب على كل مسلم صغير أو كبير حر أو مملوك } الحديث .

فإن قلت : ينبغي أن يراد بالفرض ما هو عرفنا للإجماع على الوجوب . فالجواب : أن ذلك إذا نقل الإجماع تواترا ليكون إجماعا قطعيا أو أن يكون من ضروريات الدين كالخمس عند كثير ، فأما إذا كان إنما يظن الإجماع ظنا فلا ، ولذا صرحوا بأن منكر وجوبها لا يكفر فكان المتيقن الوجوب بالمعنى العرفي عندنا ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية