صفحة جزء
[ ص: 52 ] الباب الثالث

في أصول القراءة الدائرة على اختلاف القراءات

وهي التسمية، والبسملة، والمد، واللين، والمط، والقصر، والاعتبار، والتمكين، والإشباع، والإدغام، والإظهار، والبيان، والإخفاء، والقلب، والتسهيل والتخفيف، والتشديد، والتثقيل، والتتميم، والنقل، والتحقيق، والفتح، والفغر، والإرسال، والإمالة، والبطح، والإضجاع، والتغليظ، والترقيق، والروم، والإشمام، والاختلاس.

البسملة عبارة عن قول القارئ {بسم الله الرحمن الرحيم} وهي [ ص: 53 ] [ ص: 54 ] اسم مركب، يقال: بسمل الرجل بسملة، فهو مبسمل، كما قالوا: حوقل الرجل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وحيعل إذا قال: حي على الصلاة. والتسمية هي البسملة نفسها، يقال: سمى يسمي تسمية، فهو مسم، ويعبر عنها بالفصل.

والفصل أيضا عبارة عن مجال الألف بين همزتين التقتا، لمن له الفصل بينهما.

وأما المد: فهو عبارة عن أصوات حروف المد واللين، وهو نوعان: طبيعي وعرضي.

فالطبيعي: هو الذي لا يقوم ذات حرف المد دونه.

والعرضي: هو الذي يعرض زيادة على الطبيعي لموجب يوجبه، ويجيء في مكانه إن شاء الله.

وأما المط: فهو المد نفسه، لغة ثانية فيه.

وأما اللين: فهو عبارة عما يجري من الصوت في حرف المد ممزوجا بالمد طبيعة وارتباطا، لا ينفصل أحدهما في ذلك عن الآخر، وهو أجرى في الواو والياء إذا انفتح ما قبلهما، كما أن المد أجرى فيهما إذا انكسر ما قبل الياء، وانضم ما قبل الواو.

وأما القصر: فهو عبارة عن صيغة حرف المد واللين، وهو المد الطبيعي.

وأما الاعتبار: فهو عبارة عنه في بعض القراءات، وذلك أن بعضهم يعتبر المد واللين مع الهمزة، فإن كانا منفصلين لم يزد شيئا على الصيغة.

وأما التمكين: فهو عبارة عن الصيغة يعبر به عن المد العرضي، يقال منه مكن، إذا أريدت الزيادة.

[ ص: 55 ] وأما الإشباع: فهو عبارة عن إتمام الحكم المطلوب من تضعيف الصيغة لمن له ذلك، ويستعمل أيضا ويراد به الحركات كوامل غير منقوصات ولا مختلسات.

وأما الإدغام: فهو عبارة عن خلط الحرفين وتصييرهما حرفا واحدا مشددا، وكيفية ذلك أن يصير الحرف الذي يراد إدغامه حرفا على صورة الحرف الذي يدغم فيه، فإذا تصير مثله حصل حينئذ مثلان، وإذا حصل المثلان وجب الإدغام حكما إجماعيا، فإذا جاء نص بإبقاء نعت من نعوت الحرف المدغم فليس ذلك الإدغام بإدغام صحيح، لأن شروطه لم تكمل، وهو بالإخفاء أشبه. قال أبو الأصبغ: وقد أطلق عليه هذا الاسم بعض علمائنا، وهو قول شيخنا أبي العباس رحمه الله.

وأما الإظهار: فهو عبارة عن ضد الإدغام، وهو أن يؤتى بالحرفين المصيرين جسما واحدا منطوقا بكل واحد منهما على صورته، موفى جميعا صفته، مخلصا إلى كمال بنيته.

وأما البيان: فهو عبارة أخرى بمعنى الإظهار.

وأما الإخفاء: فهو عبارة عن إخفاء النون الساكنة والتنوين عند أحرفهما، وسيأتي الكلام عليه. وحقيقته أن يبطل عند النطق به الجزء المعمل، فلا يسمع إلا صوت مركب على الخيشوم، ويستعمل أيضا عبارة عن إخفاء الحركة، وهو نقصان تمطيطها.

[ ص: 56 ] وأما القلب: فهو عبارة عن الحكم المشهور من الأحكام الأربعة المختصة بالنون الساكنة والتنوين، وهو إبدالهما عند لقائهما الباء ميما خالصة، تعويضا صحيحا لا يبقى للنون والتنوين أثر، ويتصرف القلب عبارة عن بعض أحكام التسهيل.

وأما التسهيل: فهو عبارة عن تغيير يدخل الهمزة، وهو على أربعة أقسام: بين بين، وبدل، وحذف، وتخفيف.

فأما بين بين: فهو نشر حرف بين همزة وبين حرف مد.

وأما البدل: فهو إقامة الألف والياء والواو مقام الهمزة عوضا منها.

وأما الحذف: فهو إعدامها دون أن يبقى لها صورة.

وأما التخفيف: فهو عبارة عن معنى التسهيل، وعن حذف الصلات من الهاءات، وعن فك الحرف المشدد القائم عن مثلين، ليكون النطق بحرف واحد من الضعفين، خفيف الوزن، عاريا من الضغط، عاريا في صناعة الخط من علامة الشد، التي لها صورتان في النقط.

وأما التشديد: فهو ضد هذا التخفيف الذي صيغ بالفك، فيكون النطق بحرف لن بموضعه، فاندرج لتضعيف صيغته شديد الفك.

وأما التثقيل: فهو عبارة عن رد الصلات إلى الهاءات.

وأما التتميم: فهو عبارة عن حكم يتصرف عند الحذف أحد الأقسام في التسهيل، وهو تعطيل الحرف المتقدم للهمزة من شكله وتخليته بشكل الهمزة في حالتي الأداء، في الوقف والوصل.

[ ص: 57 ] وأما التحقيق: فهو عبارة عن ضد التسهيل، وهو الإتيان بالهمزة أو بالهمزتين خارجات من مخارجهن، مندفعات عنهن، كاملات في صفاتهن.

وأما الفتح: فهو عبارة عن النطق بالألف مركبة على فتحة خالصة غير ممالة. وحده: أن يؤتى به على مقدار انفتاح الفم، مثال: (قال) يركب صوت الألف على فتحة القاف، وهي فتحة خالصة، لا حظ للكسر فيها، معترضة على مخرج القاف اعتراضا، وحقيقته أن ينفتح الفم بالنطق بـ (قال) ونظيره كانفتاح الفم في (كان) ونظيره.

وأما الفغر: فهو بالغين المعجمة، وهو بفتح الفاء وإسكان الغين المعجمة، وهو عبارة قديمة بمعنى الفتح، قال أبو الأصبغ: وهو يقع في كتب الأوائل من علمائنا، وهو عبارة عن التغليظ.

وأما الإرسال: فهو عبارة عن تحريك ياء الإضافة بحركة الألف، ويعبر عنه أيضا بالفتح.

وأما الإمالة: فهي عبارة عن ضد الفتح، وهي نوعان: إمالة كبرى، وإمالة صغرى.

فالإمالة الكبرى: حدها أن ينطق بالألف مركبة على فتح يصرف إلى الكسر كثيرا.

والإمالة الصغرى: حدها أن ينطق بالألف مركبة على فتحة تصرف [ ص: 58 ] إلى الكسرة قليلا. والعبارة المشهورة في هذا: بين اللفظين، أعني بين الفتح الذي حددناه، وبين الإمالة الكبرى.

والبطح والإضجاع: عبارتان بمعنى الإمالة الكبرى.

وأما التغليظ: فهو عبارة عن سمن يدخل على جسم الحرف، وامتلاء الفم بصداه.

وأما الترقيق: فهو عبارة عن ضد التغليظ، وهو نحول يدخل على جسم الحرف فلا يملأ صداه الفم ولا يغلقه، وهو نوعان: ترقيق مفتوح، وترقيق غير مفتوح، وهو الإمالة على نوعيها، فكل فتح ترقيق، وليس كل ترقيق فتحا، وكل إمالة ترقيق، وليس كل ترقيق إمالة.

وأما الروم: فهو عبارة عن النطق ببعض الحركات، حتى يذهب معظم صوتها، فتسمع لها صويتا خفيا، يدركه الأعمى بحاسة سمعه دون الأصم.

وأما الإشمام: فهو عبارة عن ضم الشفتين بعد سكون الحرف من غير صوت، ويدرك ذلك الأصم دون الأعمى، ويعبر عنه ويراد به خلط حركة بحركة نحو "قيل " [البقرة: 11] في قراءة من أشم، ويطلق أيضا ويراد به [ ص: 59 ] خلط حرف بحرف نحو " الصراط " [الفاتحة: 6]، و " أصدق " [النساء: 87].

وأما الاختلاس: فهو عبارة عن الإسراع بالحركة إسراعا يحكم السامع له أن الحركة قد ذهبت، وهي كاملة في الوزن.

[ ص: 60 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية