صفحة جزء
[ ص: 610 ] الفصل الرابع

في بيان حكمه في الصلاة

اعلم أن حكم التكبير في الصلاة أنه سنة ثابتة فيها كثبوتها في خارجها، وقد تكلم في هذه المسألة غير واحد من الثقات الجهابذة الأثبات فقد ذكر الحافظ ابن الجزري في النشر بأسانيده إلى الصحابة والتابعين بثبوت التكبير في الصلاة وغيرها وقد تركنا ذكر هذه الأسانيد هنا رغبة في الاختصار لطولها . ثم قال الحافظ ابن الجزري بعد ذلك . وقال الشيخ أبو الحسن السخاوي - وروى بعض علمائنا الذين اتصلت قراءتنا بإسناده عن أبي محمد الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد القرشي قال : صليت خلف المقام بالمسجد الحرام في التراويح في شهر رمضان فلما كانت ليلة الختم كبرت من خاتمة الضحى إلى آخر القرآن في الصلاة، فلما سلمت التفت وإذا بأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي قد صلى ورائي، فلما أبصرني قال : أحسنت أصبت السنة . . . إلى أن قال رحمه الله : فقد ثبت التكبير في الصلاة عن أهل مكة فقهائهم وناهيك بالإمام الشافعي وسفيان بن عيينة وابن جريج وابن كثير وغيرهم . . . إلى أن قال : ورأيت أنا غير واحد من شيوخنا يعمل به ويأمر من يعمل به في صلاة التراويح وفي الإحياء في ليالي رمضان حتى كان بعضهم إذا وصل في الإحياء في الضحى قام بما بقي من القرآن في ركعة واحدة يكبر إثر كل سورة، فإذا انتهى إلى قل أعوذ برب الناس كبر في آخرها ثم يكبر ثانيا للركوع وإذا قام في الركعة الثانية قرأ الفاتحة وما تيسر من أول البقرة وفعلت أنا كذلك مرات لما كنت أقوم بالإحياء بدمشق ومصر .

وأما من كان يكبر في صلاة التراويح فإنهم يكبرون إثر كل سورة ثم يكبرون للركوع . وذلك إذا آثر التكبير آخر كل سورة . ومنهم من كان إذا قرأ الفاتحة وأراد [ ص: 611 ] الشروع في السورة كبر وبسمل وابتدأ السورة . . . إلى أن قال رحمه الله : ثم رأيت كتاب الوسيط تأليف الإمام الكبير شيخ الإسلام أبي الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي الشافعي رحمه الله تعالى وفيه ما هو نص على التكبير في الصلاة . . . ثم عرج بعد ذلك على المذاهب الفقهية فقال : والقصد إنني تتبعت كلام الفقهاء من أصحابنا - يعني الشافعية - فلم أر لهم نصا في غير ما ذكرت وكذلك لم أر للحنفية ولا للمالكية، وأما الحنابلة فقد قال الفقيه الكبير أبو عبد الله محمد بن مفلح في كتاب الفروع له : " وهل يكبر لختمه من الضحى أو ألم نشرح آخر كل سورة؟ فيه روايتان ولم تستحبه الحنابلة لقراءة غير ابن كثير، وقيل: ويهلل انتهى، قلت : ولما من الله علي بالمجاورة بمكة ودخل شهر رمضان فلم أر أحدا ممن صلى التراويح بالمسجد الحرام إلا يكبر من الضحى عند الختم فعلمت أنها سنة باقية فيهم إلى اليوم . . . ثم قال رحمه الله تعالى : " والعجيب ممن ينكر التكبير بعد ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه والتابعين " انتهى كلام الحافظ ابن الجزري ملخصا من النشر .

يقول مقيده أفقر العباد وأحوجهم إلى الله تعالى عبد الفتاح السيد عجمي المرصفي :

ويؤخذ من كلام الحافظ ابن الجزري في النشر والذي سقناه آنفا الأحكام الآتية :

أولا : إن التكبير سنة مطلقة في الصلاة وخارجها . وقد ثبت فعل هذه السنة عند فقهاء مكة المشرفة وغيرهم من فقهاء الأمصار في صلاة التراويح وغيرها .

ثانيا : بيان حكم قطع القراءة في سور التكبير في الصلاة وما يترتب على ذلك مما سنأتي عليه مفصلا في الفصل التالي إن شاء الله تعالى .

ثالثا : إن التكبير في الصلاة بالنسبة للمذاهب الفقهية قد ثبت عند الشافعية [ ص: 612 ] وعلى رأسهم إمامنا الشافعي رضي الله تعالى عنه وأنه لم يثبت عند الحنفية ولا عند المالكية، أما الحنابلة فقد ورد عنهم فيه روايتان التكبير وعدمه وعندهم إن أخذوا بالتكبير لم يكن مستحبا لقراءة غير قراءة ابن كثير وحال أخذهم بالتكبير يجوز معه التهليل كما قيل عندهم .

رابعا : أنه لا وجه لمن أنكر التكبير بعد ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم وعنا معهم بمنه وكرمه آمين .

هذا : وذكر في الإتحاف أن التكبير مندوب في الصلاة في الختم وغيره حتى لو قرأ سورة من سور التكبير كالكافرون والإخلاص مثلا في ركعتين كبر وهو واضح للعلة السابقة والعلة هذه قد ذكرناها فيما تقدم في سبب ورود التكبير . وقد اختلفوا في أداء التكبير في الصلاة هل يجهر به أو يسر أو هو تابع لها في السرية والجهرية أقوال . وأميل إلى أن التكبير يكون تابعا للصلاة في السر والجهر فهو أحب إلي والله تعالى أعلى وأعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية