صفحة جزء
[ ص: 104 ] الفصل الأول

في الكلام على الحروف المفخمة قولا واحدا

الحروف المفخمة وجها واحدا هي حروف الاستعلاء السبعة، والمتقدمة والمجموعة في قول الحافظ ابن الجزري: "خص ضغط قظ" بدون استثناء شيء منها، إلا أن التفخيم فيها ليس في مرتبة واحدة، بل يتفاوت، وذلك حسبما يتصف به الحرف من الصفات القوية والضعيفة، فكلما كان الحرف متصفا بالصفات القوية كان في التفخيم أقوى من الحرف الذي قلت فيه صفات القوة، ولهذا كانت حروف الإطباق الأربعة المتقدمة، والتي هي: "الصاد والضاد والطاء والظاء" أقوى من باقي حروف الاستعلاء؛ لما اتصفت به من كثرة الصفات القوية، الأمر الذي جعلها تختص بتفخيم أقوى من باقي حروف الاستعلاء.

وقد أشار إلى هذا المعنى الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية بقوله:


وحرف الاستعلاء فخم واخصصا الإطباق أقوى نحو قال والعصا ا هـ



ومما تقدم يتضح أن حروف الاستعلاء في القوة على هذا الترتيب: الطاء المهملة، فالضاد المعجمة، فالصاد المهملة، فالظاء المشالة، فالقاف، فالغين، فالخاء، وإنما كانت الطاء أعلاها لاتصافها بكل صفات القوة التي لم تجتمع في غيرها من باقي الحروف السبعة؛ إذ هي مجهورة شديدة مستعلية مطبقة مصمتة مقلقلة، وإنما كانت الخاء أقلها لاتصافها بكل صفات الضعف إلا صفة الاستعلاء.

هذا، وللتفخيم مراتب نوضحها فيما يلي:

[ ص: 105 ] مراتب التفخيم وأقوال العلماء فيها وضوابطها

مراتب التفخيم خمس لكل حرف من حروف الاستعلاء السبعة على ما اختاره الحافظ ابن الجزري ، وها هي على النحو التالي:

المرتبة الأولى: وهي الحروف التي تمكن "أي قوي" فيها التفخيم، وهي المفتوحة التي بعدها ألف نحو: طاب [النساء: 3] وضاق [هود: 77] صابرا [الكهف: 69] يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور [المجادلة: 2 - 3] يقاتلون [التوبة: 11] غائبين [الأعراف: 7] خائبين [آل عمران : 127] ويلحق بهذه المرتبة الراء المفتوحة التي بعدها ألف يراءون [الماعون: 6] نبه على ذلك العلامة الشيخ محمد مصطفى الحمامي في كتابه سراج المعالي، وقال صاحب انشراح الصدور: الراء واللام حال تفخيمهما يتبعان حروف الاستعلاء لشبههما بها اهـ.

المرتبة الثانية: وهي دون الأولى في القوة، وهي المفتوحة التي ليس بعدها ألف نحو: طبع [النحل: 108] وضرب [النحل: 76] [ ص: 106 ] وصدق [الأحزاب: 22] ظل [الزخرف: 17] وقتل [البقرة: 251] وغفر [الشورى: 43] وخلق [الجاثية: 22].

المرتبة الثالثة: وهي دون الثانية في القوة وهي المضمومة نحو: وطبع [التوبة: 87] صرفت [الأعراف: 47] وضربت [البقرة: 61] يظنون [البقرة: 46] قتل [عبس: 17] غلبت [الروم: 2] خلقت [الغاشية: 17].

المرتبة الرابعة: وهي الساكنة نحو: يطبع [الأعراف: 101] يضرب [الرعد: 17] أصبرهم [البقرة: 175] يظلم [الفرقان: 19] يقتل [النساء: 93] يغلب [النساء: 74] يخلق [الشورى: 49].

وفي هذه المرتبة تفصيل وهو: إن كان الحرف المفخم - ونعني به الساكن - وقع بعد فتح فيعطى تفخيم المفتوح الذي ليس بعده ألف كما في الأمثلة المذكورة، وإن وقع بعد ضم فيعطى تفخيم المضموم نحو: [ ص: 107 ] ويطعمون [الإنسان: 8] مقمحون [يس: 8] وإن وقع بعد كسر فيعطى تفخيما أدنى مما قبله مضموم نحو: إطعام [المائدة: 89] نذقه [الحج: 25] ولم يوضح أئمتنا في الحرف المفخم الساكن إثر كسر أكثر من هذا فيما وقفت عليه من مراجع، ولكن يؤخذ من تمثيلهم بكلمتي اقرأ [الإسراء: 14] نذقه [الفرقان: 19] ومن قولهم: يعطى في التفخيم تفخيم المكسور; لأنه لم يكن هناك مرتبة أقل منه، وفي الوقت نفسه لم يكن هناك أدنى من المضموم إلا المكسور.

ومن ثم يتضح أن حرف التفخيم الساكن الواقع إثر فتح يكون في التفخيم ملحقا بالمفتوح الذي ليس بعده ألف في المرتبة الثانية التي سبق الكلام عليها، والحرف الساكن الواقع إثر ضم يكون في التفخيم ملحقا بالمضموم في المرتبة الثالثة، والحرف الساكن الواقع إثر كسر يكون في التفخيم ملحقا بالمكسور في المرتبة الخامسة والأخيرة الآتية بعد. وقد صرح بذلك العلامة المتولي في الساكن عموما بقوله رحمه الله:


فما أتى من قبله من حركه     فافرضه مشكلا بتلك الحركه

اهـ

المرتبة الخامسة: وهي المكسورة نحو: طباقا [الملك: 3] ضرارا [البقرة: 231] صراطا [النساء: 68] ظلا [النساء: 57] قتالا [آل عمران : 167] غشاوة [البقرة: 7] [ ص: 108 ] خفافا [التوبة: 41] وهذه المرتبة هي أضعف المراتب الخمس في التفخيم، وذكر فيها صاحب الجواهر الغوالي تفصيلا حاصله أن حروف الإطباق الأربعة مفخمة حسب مرتبتها وهي الأخيرة، وحروف الاستعلاء فقط وهي الثلاثة الباقية مرققة، وإليك قوله في متنه:


.........     مكسوره رقق سوى ما أطبقا

اهـ

قلت: وليس المراد من الأمر بالترقيق في قوله: "رقق" الترقيق الحقيقي الآتي بعد في حروف الاستفال، إنما هو تفخيم بالنسبة لحروف الاستفال، وسماه أئمتنا التفخيم النسبي، وإليه أميل؛ لأن حروف الاستعلاء لا ترقق مطلقا، وإن كان التفخيم في تلك الحروف الثلاثة أعني (القاف والغين والخاء) في أدنى منزلة كما مر فهي مفخمة على كل حال بالنسبة للحروف المستفلة المرققة الآتية بعد.

وفي هذه المسألة يقول شيخ مشايخنا العلامة المتولي رحمه الله:


فهي وإن تكن بأدنى منزله     فخيمة قطعا من المستفله
فلا يقال إنها رقيقه     كضدها تلك هي الحقيقه

اهـ

توضيح: تقدم في المرتبة الرابعة من مراتب التفخيم ما يفيد أن حرف التفخيم الساكن المكسور ما قبله يعطى في التفخيم حكم الحرف المكسور في المرتبة الخامسة والأخيرة، كما تقدم أيضا في المرتبة الخامسة أن حرف الاستعلاء المكسور فيه تفصيل، وهو إذا كان مطبقا فيفخم حسب مرتبته، وإذا كان مستعليا فقط ونعني به - القاف والغين والخاء - فيفخم تفخيما نسبيا، وعلى هذا الضوء يمكن ضبط الحرف المفخم الساكن إثر كسر، سواء كان مطبقا نحو: فطرت [الروم: 30] أو مستعليا نحو: يزغ [سبأ: 12] فالمطبق يفخم؛ لأنه في حال الكسر مفخم حسب مرتبته، والمستعلي يفخم تفخيما نسبيا؛ لأنه في حالة الكسر يكون كذلك كما مر [ ص: 109 ] ويشهد بذلك النطق بكلمتي إطعام [المائدة: 89] و مصر [الزخرف: 51] و أفرغ [البقرة: 250] و إخوانا [الحجر: 47] فنجد أن التفخيم حسب مرتبته ظاهر في الطاء والصاد بخلاف الغين والخاء، فإن فيهما أصل التفخيم فقط، وهذا واضح بأدنى تأمل، ثم إن الكسر الذي قبل الغين والخاء الساكنتين يستوي فيه الأصلي والعارض، فالأصلي نحو: أفرغ [الأعراف: 126] وإخوانكم [التوبة: 23] والعارض نحو: إلا من اغترف [البقرة: 249] ولكن اختلفوا [البقرة: 253] ولا يضر وجود حرف الاستعلاء بعد الغين في نحو: لا تزغ قلوبنا [آل عمران : 8] فكل هذا يفخم تفخيما نسبيا، أما حرف الاستعلاء الذي بعد الغين فيعطى حكمه حسب مرتبته، ويلحق بالغين والخاء الساكنتين إثر كسر في التفخيم النسبي الغين والخاء الساكنتان للوقف الواقعتان بعد الياء اللينة نحو: زيغ [آل عمران: 7] و شيخ [القصص: 23] أما إذا وصلتا فينزلان منزلتهما في المرتبة الثالثة؛ لأنهما أصبحتا مضمومتين.

وأما من فخم الغين والخاء الساكنتين المكسور ما قبلهما أو الساكنتين للوقف المسبوقتين بالياء اللينة تفخيما قويا كما سمعنا ورأينا فقد أخطأ؛ إذ يخرجهما بذلك التفخيم القوي عن المرتبة المخصصة لهما.

هذا، ويستثنى من التفخيم النسبي الخاء الساكنة الواقعة بعد كسر المجاورة للراء المفخمة، فلتفخيم الراء تفخم الخاء تفخيما قويا؛ ليحصل التناسب بينهما [ ص: 110 ] وذلك في كلمة "إخراج" حيث وقعت في التنزيل كقوله تعالى: ويخرجكم إخراجا [نوح: 18] ونحوها.

وفي هذه المسألة يقول شيخ مشايخي الإمام المتولي - رحمه الله - :


وخاء إخراج بتفخيم أتت     من أجل راء بعدها إذ فخمت

اهـ

ويلحق بخاء إخراج الخاء من "اخرج" في قوله تعالى: وقالت اخرج عليهن [يوسف: 31].

وصفوة القول فيما تقدم من تفصيل في المرتبة الأخيرة أن حروف الاستعلاء فقط ونعني بها - القاف والغين والخاء - تفخم تفخيما نسبيا في حالتين:

الأولى: إذا كانت مكسورة نحو: قيل [البقرة: 11] وغيض [هود: 44] وخيفة [الأعراف: 205].

الثانية: إذا كانت ساكنة بعد كسر مطلقا نحو: نذقه [الحج: 25] يزغ [سبأ: 12] ولكن اختلفوا [البقرة: 253] أو إذا كانت الغين والخاء ساكنتين للوقف وقبلهما ياء لينة نحو: زيغ [آل عمران: 7] و شيخ [القصص: 23] ويستثنى من ذلك الخاء من "إخراجا" و"قالت اخرج" كما مر توضيحه، وما عدا هاتين الحالتين فتفخم بحسب مراتبها المتقدمة آنفا.

[ ص: 111 ] وقد نظم مراتب التفخيم الخمس غير واحد من أئمتنا، وإليك أوضحها لصاحب الجواهر الغوالي، قال رحمه الله تعالى:


مراتب التفخيم خمس حققت     حروفه قظ خص ضغط جمعت
فالأول المفتوح بعده ألف     والثاني مفتوح وذا بلا ألف
كذلك المضموم الإسكان ارتقى     مكسوره رقق سوى ما أطبقا

اهـ وإلى هنا انقضى كلامنا في توضيح مراتب التفخيم، فاحرص عليها جيدا؛ فقد لا تجدها مجموعة في غيره، والله يرشدنا وإياك إلى الصراط السوي.

التالي السابق


الخدمات العلمية