صفحة جزء
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة [ 214 ]

( أن ) تقوم مقام المفعولين ولما يأتكم حذفت الياء للجزم وزلزلوا حتى يقول الرسول هذه قراءة أهل الحرمين . وقرأ أهل الكوفة ، والحسن ، وابن أبي إسحاق ، وأبو عمرو : ( حتى يقول الرسول ) بالنصب ، وهو اختيار أبي عبيد ، وله في ذلك حجتان : إحداهما : عن أبي عمرو قال : " زلزلوا " فعل ماض ، و " يقول " فعل مستقبل ، فلما اختلفا كان الوجه النصب . والحجة الأخرى حكاها عن الكسائي ، قال : إذا تطاول الفعل الماضي صار بمنزلة المستقبل . قال أبو جعفر : أما الحجة الأولى بأن " زلزلوا " ماض ، و " يقول " مستقبل ؛ فشيء ليس فيه علة الرفع ولا النصب ؛ لأن " حتى " ليست من حروف العطف في الأفعال ، ولا هي البتة من عوامل الأفعال ، وكذا قال الخليل وسيبويه في نصبهم ما بعدها على إضمار " أن " إنما حذفوا " أن " لأنهم قد علموا أن " حتى " من عوامل الأسماء ، هذا معنى قولهما ، وكأن هذه الحجة غلط ، وإنما تتكلم بها في باب الفاء . وحجة الكسائي بأن الفعل [ ص: 305 ] إذا تطاول صار بمنزلة المستقبل كلا حجة ؛ لأنه لم يذكر العلة في النصب ، ولو كان الأول مستقبلا لكان السؤال بحاله . ومذهب سيبويه في " حتى " أن النصب فيما بعدها من جهتين ، والرفع من جهتين : تقول : سرت حتى أدخلها ، على أن السير والدخول جميعا قد مضيا ، أي سرت إلى أن أدخلها . وهذا غاية ، وعليه قراءة من قرأ بالنصب . والوجه الآخر في النصب في غير الآية : سرت حتى أدخلها ، أي كي أدخلها . والوجهان في الرفع : سرت حتى أدخلهما ، أي سرت فأدخلها ، وقد مضيا جميعا ، أي كنت سرت فدخلت ، ولا تعمل " حتى " ها هنا بإضمار " أن " ؛ لأن بعدها جملة ، كما قال الفرزدق :


فيا عجبا حتى كليب تسبني كأن أباها نهشل أو مجاشع



فعلى هذه القراءة بالرفع ، وهي أبين وأصح معنى ، أي : وزلزلوا حتى الرسول يقول ، أي حتى هذه حاله ؛ لأن القول إنما كان عن الزلزلة غير منقطع منها ، والنصب على الغاية ليس فيه هذا المعنى . والوجه الآخر في الرفع في غير الآية : سرت حتى أدخلها ، على أن يكون السير قد مضى والدخول الآن ، وحكى سيبويه : مرض حتى ما يرجونه ، ومثله : سرت حتى أدخلها لا أمنع .

متى نصر الله رفع بالابتداء على قول سيبويه ، وعلى قول أبي العباس : رفع بفعله ، أي متى يقع نصر الله ؟ ألا إن نصر الله قريب اسم إن وخبرها [ ص: 306 ] ويجوز في غير القرآن : إن نصر الله قريبا ، أي مكانا قريبا ، والقريب لا تثنيه العرب ولا تجمعه ولا تؤنثه ، في هذا المعنى قال - عز وجل - : إن رحمت الله قريب من المحسنين وقال الشاعر :


له الويل إن أمسى ولا أم هاشم     قريب ولا بسباسة ابنة يشكرا



فإن قلت : " فلان قريب " ثنيت وجمعت فقلت : قريبون ، وأقرباء ، أو قرباء .

التالي السابق


الخدمات العلمية