صفحة جزء
يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي [2] الآية . قال الحسن : وحدثنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا [ ص: 208 ] سفيان بن حسين عن الحسن ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) قال : لا تذبحوا قبل الإمام . وروى الضحاك عن ابن عباس ( لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) قال : هذا في القتال والشرائع لا تقضوا حتى يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبو جعفر : وهذه الأقوال ليست بمتناقضة بل بعضها يشد بعضا ، لأن هذه الأشياء إذا كانت ونزلت الآية تأولها القوم على ظاهرها في كراهة تقديم القول بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل أن يتشاوروا ، وتأولها قوم على منع الذبح قبل الإمام ، ودل على هذا أن فعل الطاعات قبل وقتها لا يجوز تقديم الصلاة ولا الزكاة . وقراءة ابن عباس والضحاك ( لا تقدموا) وزعم الفراء أن المعنى فيهما واحد . قال أبو جعفر : وإن كان المعنى واحدا على التساهل فثم فرق بينهما من اللغة قدمت يتعدى فتقديره لا تقدموا القول والفعل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقدموا ليس كذا ، لأن تقديره لا تقدموا بالقول والفعل .

يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي [2]

قال إبراهيم التيمي : فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يا رسول الله لا أكلمك إلا أخا السرار . قال ابن أبي مليكة قال عبد الله بن الزبير فكان عمر بعد نزول هذه الآية لا يسمع النبي صلى الله عليه وسلم كلامه حتى يستفهمه . وقال أنس : تأخر ثابت بن قيس في منزله ، وقال : أخاف أن أكون من أهل النار حتى أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم : "لست من أهل النار" وعمل جماعة من العلماء على أن كرهوا رفع الصوت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم وبحضرة العلماء وفي [ ص: 209 ] المساجد ، وقالوا : هذا أدب الله جل وعز ورسوله عليه السلام ، واحتجوا في ذلك بحديث البراء وغيره ، كما قرئ على بكر بن سهل عن عبد الله بن يوسف قال : أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن المنهال عن زاذان أبي عمرو عن البراء قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير ، والنبي صلى الله عليه وسلم مكب في الأرض فرفع رأسه وقال : "استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا" ، وذكر الحديث . فكان فيما ذكرناه فوائد : منها خروج النبي صلى الله عليه وسلم فدل هذا على أنه لا ينبغي لإمام ولا لأمير ولا قاض أن يتأخر عن الحقوق من أجل ما هو فيه ، وفيه مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأن على رءوسنا الطير ، أي ساكنين إجلالا له ، فدل هذا على أنه كذا ينبغي لمن جالس عالما أو واليا يجب أن يجل ، كما روى عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا" ( ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ) الكاف في وضع نصب أي جهرا كجهر بعضكم لبعض ( أن تحبط أعمالكم ) "أن" في موضع نصب فقال بعض أهل اللغة : أي لئلا تحبط أعمالكم ، وهذا قول ضعيف إذا تدبر علم أنه خطأ ، والقول ما قاله أبو إسحاق هو غامض في العربية قال : المعنى لأن تحبط وهو عنده مثل ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) ( وأنتم لا تشعرون ) قيل : أي لا تشعرون أن أعمالكم قد حبطت .

[ ص: 210 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية