صفحة جزء
هو الله الذي لا إله إلا هو [23]

ومن نصب قال : إلا إياه وأجاز الكوفيون إلاه على أن الهاء في موضع نصب ، وأنشدوا :


فما نبالي إذا ما كنت جارتنا ألا يجاورنا إلاك ديار



قال أبو جعفر : وهذا خطأ عند البصريين لا يقع بعد "إلا" ضمير منفصل لاختلافه ، وأنشد محمد بن يزيد : "ألا يجاورنا سواك ديار" ( الملك القدوس ) نعت والملك مشتق من الملك والمالك مشتق من الملك ، و"القدوس" مشتق من القدس وهو الطهارة كما قال :


وجبريل أمين الله فينا     وروح القدس ليس له كفاء



قال كعب : "روح القدس" جبرئيل عليه السلام . قال أبو زيد : القدس الله جل وعز وكذا القدوس ، وقال غيره : قيل لجبرئيل صلى الله عليه وسلم : روح الله لأنه خلقه من غير ذكر وأنثى ومن هذا قيل لعيسى صلى الله عليه وسلم : روح الله جل وعز لأنه خلقه من غير ذكر ، والله القدوس أي مطهر مما نسبه إليه المشركون . وقرأ أبو [ ص: 405 ] الدينار الأعرابي ( الملك القدوس ) بفتح القاف . قال أبو جعفر : ونظير هذا من كلام العرب جاء مفتوحا نحو سمور وشبوط ولم يجئ مضموما إلا "السبوح" و"القدوس" وقد فتحا ( السلام ) أي ذو السلامة من جميع الآفات . والسلام في كلام العرب يقع على خمسة أوجه : السلام التحية ، والسلام السواد من القول قال الله تعالى : ( وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ) ليس يراد به التحية ، والسلام جمع سلامة ، والسلام بمعنى السلامة كما تقول : اللذاذ واللذاذة ، "السلام" اسم الله من هذا أي صاحب السلامة والسلام شجر قوي واحدها سلامة . قال أبو إسحاق : سمي بذلك لسلامته من الآفات ( المؤمن ) فيه ثلاثة أقوال : منها أن معناه الذي آمن عباده من جوره ، وقيل : المؤمن الذي آمن أولياءه من عذابه ، وقال أحمد بن يحيى ثعلب الله جل وعز : المؤمن لأنه يصدق عباده المؤمنين . قال أبو جعفر : ومعنى هذا أن المؤمنين يشهدون على الناس يوم القيامة فيصدقهم الله جل وعز ( المهيمن ) روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : المهيمن الأمين ، وبهذا الإسناد قال : الشهيد ، وقال أبو عبيدة : المهيمن الرقيب الحفيظ . قال أبو جعفر : وهذه كلها من صفات الله جل وعز فالله شاهد أعمال عباده حافظ لها أمين عليها لا يظلمهم ولا يلتهم من أعمالهم شيئا ، وحكى لنا علي بن سليمان عن أبي العباس قال : الأصل مؤيمن ، وليس في أسماء الله تعالى شيء مصغر إنما هو مثل مسيطر أبدل من الهمزة هاء ، لأن الهاء أخف ( العزيز ) أي العزيز في انتقامه المنيع فلا [ ص: 406 ] ينتصر منه من عاقبه ( الجبار ) فيه أربعة أقوال : قال قتادة : الجبار الذي يجبر خلقه على ما يشاء ، قال أبو جعفر : وهذا خطأ عند أهل العربية؛ لأنه إنما يجيء من هذا مجبر ولا يجيء فعال من أفعل ، وقيل : "جبار" من جبر الله خلقه أي نعتهم وكفاهم . وهذا قول حسن لا طعن فيه ، وقيل جبار من جبرت العظم فجبر أي أقمته بعد ما انكسر فالله تعالى أقام القلوب لتفهمها دلائله ، وقيل : هو من قولهم تجبر النخل إذا علا وفات اليد كما قال :


أطافت به جيلان عند قطاعه     وردت عليه الماء حتى تجبرا



فقيل : جبار لأنه لا يدركه أحد ( المتكبر ) أي العالي فوق خلقه ( سبحان الله عما يشركون ) نصبت سبحان على أنه مصدر مشتق من سبحته أي نزهته وبرأته مما يقول المشركون ، وهو إذا أفردته يكون معرفة ونكرة فإن جعلته نكرة صرفته فقلت : سبحانا وإن جعلته معرفة كما قال :


أقول لما جاءني فخره     سبحان من علقمة الفاخر



التالي السابق


الخدمات العلمية