صفحة جزء
ثم أنتم [ 85 ]

فتحت الميم من " ثم " لالتقاء الساكنين ، ولا يجوز ضمها ولا كسرها كما جاز في " رد " لأنها لا تتصرف أنتم في موضع رفع بالابتداء ولا يعرب المضمر ، وضممت التاء من " أنتم " لأنها كانت مفتوحة إذا خاطبت واحدا مذكرا ، ومكسورة إذا خاطبت واحدة مؤنثة ، فلما ثنيت وجمعت لم تبق [ ص: 243 ] إلا الضمة ( هؤلاء تقتلون أنفسكم ) قال القتبي : التقدير : يا هؤلاء . قال أبو جعفر : هذا خطأ على قول سيبويه لا يجوز عنده : هذا أقبل . وقال أبو إسحاق : " هؤلاء " بمعنى الذين ، وتقتلون داخل في الصلة أي ثم أنتم الذين تقتلون . وسمعت علي بن سليمان يقول : سمعت محمد بن يزيد يقول : أخطأ من قال : إن " هذا " بمعنى " الذي " وإن كان قد أنشد :


عدس ما لعباد عليك إمارة نجوت وهذا تحملين طليق



قال : فإن هذا بطلان المعاني . قال أبو الحسن : " هذا " على بابه ، و " طليق " و " تحملين " خبر أيضا . قال أبو جعفر : يجوز أن يكون التقدير - والله أعلم - : أعني هؤلاء . و " تقتلون " خبر أنتم " أنفسكم " مفعولة ، ولا يجيز الخليل وسيبويه أن يتصل المفعول في مثل هذا ، لا يجيزان : " ضربتني " ، ولا " ضربتك " ، قال سيبويه : استغنوا عنه بـ " ضربت نفسي ، وضربت نفسك " . وقال أبو العباس : لم يجز هذا لئلا يكون المخاطب فاعلا مفعولا في حال واحدة . ( تظاهرون عليهم ) هذه قراءة أهل المدينة ، وأهل مكة تدغم التاء في الظاء لقربها منها ، وقرأ الكوفيون ( تظاهرون ) حذفوا التاء الثانية لدلالة [ ص: 244 ] الأولى عليها ، وقرأ قتادة : ( تظهرون ) قال أبو جعفر : وهذا بعيد ، وليس هو مثل قوله : " يظهرون منكم من نسائهم " لأن معنى هذا أن يقول لها : أنت علي كظهر أمي ، فالفعل في هذا من واحد ، وقوله : " تظاهرون " الفعل فيه لا يكون إلا من اثنين أو أكثر . وإن يأتوكم شرط فلذلك حذفت منه النون ( تفدوهم ) جوابه ( أسرى ) على فعلى هو الباب كما تقول : قتيل وقتلى وجريج وجرحى ، ومن قال : ( أسارى ) شبه بسكران وسكارى ، فكل واحد منهما مشبه بصاحبه . قال سيبويه : وإنما قالوا : سكران وسكرى لأنها آفة تدخل على العقل . قال أبو حاتم : ولا يجوز " أسارى " . قال أبو إسحاق : كما يقال : سكارى وفعالى هو الأصل ، وفعالى داخلة عليها . وحكي عن محمد بن يزيد أنه قال : يقال : أسير وأسراء كظريف وظرفاء . ( أسرى ) في موضع نصب على الحال . وهو محرم عليكم إخراجهم وإن شئت أسكنت الهاء لثقل الضمة كما قال :


فهو لا ينمي رميته     ما له لا عد من نفره



[ ص: 245 ] وإن شئت أسكنت الهاء لثقل الضمة وكذلك إن جئت بالفاء واللام . " وهو " في موضع رفع بالابتداء وهو كناية عن الحديث ، والجملة التي بعده خبر ، وإن شئت كان " هو " كناية عن الإخراج ، وإخراجهم بدل من " هو " . وزعم الفراء أن " هو " عماد ، وهذا عند البصريين خطأ لا معنى له لأن العماد لا يكون في أول الكلام . فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ابتداء وخبر . وقرأ الحسن : ( ويوم القيامة تردون إلى أشد العذاب ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية