معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ؛ لفظ " ألم " ؛ ههنا؛ لفظ استفهام؛ ومعناه التوقيف؛ وجزم " ألم " ؛ ههنا؛ كجزم " لم " ؛ لأن حرف الاستفهام لا يغير العامل عن عمله؛ ومعنى " الملك " ؛ في اللغة: تمام القدرة؛ واستحكامها؛ فما كان مما يقال فيه: " ملك " ؛ سمي " الملك " ؛ وما نالته القدرة مما يقال فيه: " مالك " ؛ فهو " ملك " ؛ تقول: " ملكت الشيء؛ أملكه؛ ملكا " ؛ وكقوله (تعالى): على ملك سليمان ؛ أي: في سلطانه؛ وقدرته؛ وأصل هذا من قولهم: " ملكت العجين؛ أملكه " ؛ إذا بالغت في عجنه؛ ومن هذا قيل في التزويج: " شهدنا إملاك فلان " ؛ أي: شهدنا عقد أمر نكاحه؛ وتشديده؛ ومعنى الآية: إن الله يملك السماوات والأرض ومن فيهن؛ فهو أعلم بوجه الصلاح فيما يتعبدهم به من ناسخ؛ ومنسوخ؛ ومتروك؛ وغيره. وقوله - عز وجل -: وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ؛ هذا خطاب للمسلمين؛ يخبرون فيه أن من خالفهم فهو عليهم؛ وأن الله - جل وعز - ناصرهم؛ والفائدة فيه أنه بنصره إياهم يغلبون من سواهم. [ ص: 192 ] وقوله - عز وجل -: أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ؛ أجود القراءة بتحقيق الهمزة؛ ويجوز جعلها بين بين؛ يكون بين الهمزة والياء فيلفظ بها: " سيل " ؛ وهذا إنما تحكمه المشافهة؛ لأن الكتاب فيه غير فاصل بين المتحقق والملين؛ وما جعل ياء خالصة؛ ويجوز: " كما سيل موسى من قبل " ؛ من قولك: " سلت؛ أسال " ؛ في معنى " سئلت؛ أسأل " ؛ وهي لغة للعرب حجاها جميع النحويين؛ ولكن القراءة على الوجهين اللذين شرحناهما قبل هذا الوجه من تحقيق الهمزة؛ وتليينها؛ ومعنى " أم " ؛ ههنا؛ وفي كل مكان لا تقع فيه عطفا على ألف الاستفهام - إلا أنها لا تكون مبتدأة - أنها تؤذن بمعنى " بل " ؛ ومعنى ألف الاستفهام؛ المعنى: " بل أتريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل " ؛ فمعنى الآية أنهم نهوا أن يسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لا خير لهم في السؤال عنه؛ وما يكفرهم؛ وإنما خوطبوا بهذا بعد وضوح البراهين لهم؛ وإقامتها على مخالفتهم؛ وقد شرحنا ذلك في قوله: فتمنوا الموت ؛ وما أشبه ذلك مما تقدم شرحه؛ فأعلم المسلمون أن السؤال بعد قيام البراهين كفر؛ كما قال - عز وجل -: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم [ ص: 193 ] وقوله: ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ؛ أي: من يسأل عما لا يعنيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد وضوح الحق؛ فقد ضل سواء السبيل؛ أي: قصد السبيل.

التالي السابق


الخدمات العلمية