معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها ؛ "فهلا كانت قرية ؟"؛ قال الشاعر:


تعدون عقر النيب أفضل مجدكم بني ضوطرى لولا الكمي المقنعا

[ ص: 34 ] أي: "فهلا تعدون الكمي؟"؛ و"الكمي": الداخل في السلاح؛ والمعنى: "فهلا كان أهل قرية آمنوا؟".

وقوله: إلا قوم يونس ؛ استثناء ليس من الأول؛ كأنه قال: "لكن قوم يونس" ؛ لما آمنوا

وقوله: فنفعها إيمانها ؛ معناه: "هلا كانت قرية آمنت في وقت ينفعهم الإيمان؟"؛ وجرى هذا بعقب قول فرعون لما أدركه الغرق: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل

فأعلم الله - جل وعز - أن الإيمان لا ينفع عند وقوع العذاب؛ ولا عند حضور الموت ؛ الذي لا يشك فيه .

قال الله - جل وعز -: وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار

وقوم يونس - والله أعلم - لم يقع بهم العذاب؛ إنما رأوا الآية التي تدل على العذاب؛ فلما آمنوا كشفت عنهم .

ومثل ذلك العليل الذي يتوب في مرضه؛ وهو يرجو في مرضه العافية؛ ولا يخاف الموت؛ فتوبته صحيحة؛ أما الذي يعاين؛ فلا توبة له؛ قال الله - عز وجل - في قصته -: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته

فأما النصب في قوله: إلا قوم يونس ؛ فمثله من الشعر قول النابغة : [ ص: 35 ]

وقفت فيها أصيلالا أسائلها     عيت جوابا وما بالربع من أحد
إلا الأواري لأيا ما أبينها     والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد

ويجوز الرفع على أن يكون على معنى "فهلا كانت قرية آمنت غير قوم يونس" ؛ فيكون "إلا قوم يونس "؛ صفة؛ ويجوز أن يكون بدلا من الأول؛ لأن معنى "قوم يونس "؛ محمول على معنى "هلا كان قوم قرية؛ أو قوم نبي آمنوا إلا قوم يونس "؛ ولا أعلم أحدا قرأ بالرفع؛ وفي الرفع وجه آخر؛ وهو البدل؛ وإن لم يكن الثاني من جنس الأول؛ كما قال الشاعر:


وبلدة ليس بها أنيس     إلا اليعافير وإلا العيس



التالي السابق


الخدمات العلمية