معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: أولئك على هدى من ربهم ؛ موضع " أولئك " : رفع بالابتداء؛ والخبر: " على هدى من ربهم " ؛ إلا أن أولئك لا يعرب؛ لأنه اسم للإشارة؛ وكسرت الهمزة فيه لالتقاء الساكنين؛ وكذلك قوله: وأولئك هم المفلحون ؛ إلا أن " هم " ؛ دخلت فصلا؛ وإن شئت كانت تكريرا للاسم؛ كما تقول: " زيد هو العالم " ؛ فترفع " زيدا " ؛ بالابتداء؛ وترفع " هو " ؛ ابتداء ثانيا؛ وترفع " العالم " ؛ خبرا ل " هو " ؛ و " العالم " ؛ خبرا ل " زيد " ؛ فكذلك قوله: " وأولئك هم المفلحون " ؛ وإن شئت جعلت " هو " ؛ فصلا؛ وترفع " زيدا " و " العالم " ؛ على الابتداء وخبره؛ والفصل هو الذي يسميه الكوفيون " عمادا " .

وسيبويه يقول: إن الفصل لا يصلح إلا مع الأفعال التي لا تتم؛ نحو: " كان زيد هو العالم " ؛ و " ظننت زيدا هو العالم " ؛ وقال سيبويه : دخل الفصل في قوله - عز وجل -: تجدوه عند الله هو خيرا ؛ وفي قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم ؛ وفي قوله: ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنـزل إليك من ربك هو الحق ؛ وفي قوله: وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ؛ [ ص: 75 ] وما أشبه هذا؛ مما ذكر الله - عز وجل.

وكذلك لك في الكلام في الابتداء والخبر؛ وفي قولك: " كان زيد هو العالم " ؛ ذكر " هو " ؛ و " أنت " ؛ و " أنا " ؛ و " نحن " ؛ دخلت إعلاما بأن الخبر مضمون؛ وأن الكلام لم يتم؛ وموضع دخولها إذا كان الخبر معرفة؛ أو ما أشبه المعرفة؛ وأن " هو " ؛ بمنزلة " ما " ؛ اللغو؛ في قوله - عز وجل -: فبما رحمة من الله لنت لهم ؛ فإنما دخولها مؤكدة. وقوله - عز وجل -: المفلحون ؛ يقال لكل من أصاب خيرا: " مفلح " ؛ وقال - عز وجل -: قد أفلح المؤمنون ؛ وقال: قد أفلح من زكاها ؛ والفلاح: البقاء؛ قال لبيد بن ربيعة : [ ص: 76 ]

نحل بلادا كلها حل قبلنا ... ونرجو الفلاح بعد عاد وتبعا



أي: نرجو البقاء؛ وقال عبيد:


أفلح بما شئت فقد يد ...     رك بالضعف وقد يخدع الأريب



أي: أصب خيرا بما شئت؛ و " الفلاح " : الأكار؛ والفلاحة صناعته؛ وإنما قيل له: " الفلاح " ؛ لأنه يشق الأرض؛ ويقال: " فلحت الحديد " ؛ إذا قطعته؛ قال الشاعر:


قد علمت خيلك أني الصحصح ...     إن الحديد بالحديد يفلح



ويقال للمكاري: " الفلاح " ؛ وإنما قيل له: " فلاح " ؛ تشبيها بالأكار؛ قال الشاعر:


لها رطل تكيل الزيت فيه ...     وفلاح يسوق لها حمارا



التالي السابق


الخدمات العلمية