معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى ؛ قد شرحنا معنى " اليهود " ؛ و " النصارى " ؛ و " ترضى " ؛ يقال في مصدره " رضي؛ يرضى؛ رضا؛ ومرضاة؛ ورضوانا؛ ورضوانا " ؛ ويروى عن عاصم في كل ما في القرآن من " رضوان " ؛ الوجهان جميعا؛ فأما ما يرويه عنه أبو عمرو ف " رضوان " ؛ بالكسر؛ وما يرويه أبو بكر بن عياش ف " رضوان " ؛ والمصادر تأتي على " فعلان " ؛ و " فعلان " ؛ فأما " فعلان " ؛ فقولك: " عرفته عرفانا " ؛ و " حسبته حسبانا " ؛ وأما " فعلان " ؛ كقولك: " غفرانك؛ لا كفرانك. " وقوله - عز وجل -: حتى تتبع ملتهم ؛ " تتبع " ؛ نصب ب " حتى " ؛ والخليل ؛ وسيبويه ؛ وجميع من يوثق بعلمه؛ يقولون: إن الناصب للفعل بعد " حتى " : " أن " ؛ إلا أنها لا تظهر مع " حتى " ؛ ودليلهم أن " حتى " ؛ غير ناصبة؛ هو أن " حتى " ؛ بإجماع خافضة؛ قال الله - عز وجل -: سلام هي حتى مطلع الفجر ؛ فخفض " مطلع " ؛ ب " حتى " ؛ ولا نعرف في العربية أن ما يعمل في اسم؛ يعمل في فعل؛ ولا ما يكون خافضا لاسم يكون ناصبا لفعل؛ فقد بان أن " حتى " ؛ لا تكون ناصبة؛ كما أنك إذا قلت: " جاء زيد ليضربك " ؛ فالمعنى: " جاء زيد لأن يضربك " ؛ لأن اللام خافضة للاسم؛ ولا تكون ناصبة للفعل؛ وكذلك " ما كان زيد ليضربك " ؛ اللام خافضة؛ والناصب ل " يضربك " : " أن " ؛ المضمرة؛ ولا يجوز إظهارها مع هذه اللام؛ وإنما لم يجز لأنها جواب لما يكون مع الفعل؛ وهو [ ص: 202 ] حرف واحد؛ يقول القائل: " سيضربك " ؛ و " سوف يضربك " ؛ فجعل الجواب في النفي بحرف واحد؛ كما كان في الإيجاب بشيء واحد؛ ونصب " ملتهم " ؛ ب " تتبع " ؛ ومعنى " ملتهم " ؛ في اللغة: سنتهم؛ وطريقتهم؛ ومن هذا " الملة " ؛ أي: الموضع الذي يختبز فيه؛ لأنها تؤثر في مكانها؛ كما يؤثر في الطريق؛ وكلام العرب إذا اتفق لفظه؛ فأكثره مشتق بعضه من بعض؛ وآخذ بعضه برقاب بعض. وقوله - عز وجل -: إن هدى الله هو الهدى ؛ أي: الصراط الذي دعا إليه؛ وهدى إليه؛ هو الطريق؛ أي: طريق الحق. وقوله - عز وجل -: ولئن اتبعت أهواءهم ؛ إنما جمع؛ ولم يقل: " هواهم " ؛ لأن جميع الفرق؛ ممن خالف النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لم يكن ليرضيهم منه إلا اتباع هواهم؛ وجمع " هوى " ؛ على: " أهواء " ؛ كما يقال: " جمل " ؛ و " أجمال " ؛ و " قتب " ؛ و " أقتاب " . وقوله - عز وجل -: ما لك من الله من ولي ولا نصير ؛ الخفض في " نصير " ؛ القراءة المجمع عليها؛ ولو قرئ: " ولا نصير " ؛ بالرفع؛ كان جائزا؛ لأن معنى " من ولي " : " ما لك من الله ولي ولا نصير " ؛ ومعنى الآية أن الكفار كانوا يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدنة؛ ويرون أنه إن هادنهم؛ وأمهلهم؛ أسلموا؛ فأعلم الله - عز وجل - أنهم لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم؛ فنهاه الله؛ ووعظه في الركون إلى شيء مما يدعون إليه؛

التالي السابق


الخدمات العلمية