معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: وإن تعجب فعجب قولهم ؛ هذا خطاب للنبي - عليه السلام -؛ أإذا كنا ترابا أإنا لفي خلق جديد ؛ أي: هذا موضع عجب؛ لأنهم أنكروا البعث؛ وقد بين لهم من عظم خلق السماوات والأرض ما يدل على أن البعث أسهل في القدرة مما قد تبينوا؛ فأما موضع "أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد"؛ فموضع "إذا"؛ نصب؛ فمن قرأ: "أئذا كنا ترابا"؛ على لفظ الاستفهام؛ ثم قرأ: "أئنا لفي خلق جديد"؛ فـ "إذا"؛ منصوبة بمعنى: "نبعث؛ ويجدد خلقنا"؛ المعنى: "إذا كنا ترابا نبعث؟"؛ ودل على إرادتهم: "أئنا لفي خلق جديد؟" .

[ ص: 139 ] ومن قرأ: "أئذا كنا ترابا إنا لفي خلق جديد"؛ أدخل ألف الاستفهام على جملة الكلام؛ وكانت "إذا"؛ نصبا بـ "كنا"؛ لكن الكلام يكون في معنى الشرط؛ والجزاء؛ ولا يجوز أن تعمل "جديد"؛ في "إذا"؛ لأن ما بعد "إذا"؛ لا يعمل فيما قبلها؛ لا اختلاف بين النحويين أن ما بعد "إن"؛ و"إذا"؛ لا يعمل فيما قبلهما.

ثم أعلم الله - عز وجل - أن المستفهم بعد البيان والبرهان عن هذا على جهة الإنكار كافر؛ فقال: أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم ؛ جاء في التفسير أن "الأغلال": الأعمال؛ في أعناقهم يوم القيامة.

والدليل على ذلك؛ في القرآن؛ قوله: إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ؛ وقيل: "أولئك الأغلال في أعناقهم"؛ أي: الأغلال التي هي الأعمال؛ وهي أيضا مؤدية إلى كون الأغلال في أعناقهم يوم القيامة؛ لأن قولك للرجل: "هذا غل في عنقك"؛ للعمل السيئ؛ معناه أنه لازم لك؛ وأنك مجازى عليه بالعذاب يوم القيامة.

التالي السابق


الخدمات العلمية