معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ؛ المعنى: " قالت اليهود: كونوا هودا؛ وقالت النصارى: كونوا نصارى " ؛ وجزم " تهتدوا " ؛ على الجواب للأمر؛ وإنما معنى الشرط قائم في الكلمة؛ المعنى: إن تكونوا على هذه الملة تهتدوا؛ فجزم " تهتدوا " ؛ على الحقيقة؛ جواب الجزاء. وقوله - عز وجل -: بل ملة إبراهيم حنيفا ؛ تنصب الملة على تقدير: بل نتبع ملة إبراهيم؛ ويجوز أن تنصب على معنى: بل نكون أهل ملة إبراهيم؛ وتحذف الأهل؛ كما قال الله - عز وجل -: واسأل القرية التي كنا فيها ؛ لأن القرية لا تسأل؛ ولا تجيب؛ ويجوز الرفع: " بل ملة إبراهيم حنيفا " ؛ والأجود والأكثر: النصب؛ ومجاز الرفع على معنى: " قل: ملتنا وديننا ملة إبراهيم " ؛ ونصب " حنيفا " ؛ على الحال؛ المعنى: بل نتبع ملة إبراهيم في حال حنيفته؛ ومعنى " الحنيفة " ؛ في اللغة: الميل؛ فالمعنى أن إبراهيم حنيف إلى دين الله؛ دين الإسلام؛ كما قال - عز وجل -: إن الدين عند الله الإسلام ؛ فلم يبعث نبي إلا به؛ وإن اختلفت شرائعهم؛ فالعقد توحيد الله - عز وجل - والإيمان برسله؛ وإن اختلفت الشرائع؛ [ ص: 214 ] إلا أنه لا يجوز أن تترك شريعة نبي؛ أو يعمل بشريعة نبي قبله تخالف شريعة نبي الأمة التي يكون فيها ؛ وإنما أخذ " الحنف " ؛ من قولهم: " امرأة حنفاء " ؛ و " رجل أحنف " ؛ وهو الذي تميل قدماه كل واحدة منهما بأصابعها إلى أختها بأصابعها؛ قالت أم الأحنف بن قيس ؛ وكانت ترقصه؛ وخرج سيد بني تميم :


والله لولا حنف في رجله ... ودقة في ساقه من هزله



ما كان في فتيانكم من مثله

التالي السابق


الخدمات العلمية