معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك ؛ زعم بعض النحويين أن " لئن " ؛ أجيب بجواب " لو " ؛ لأن الماضي-9 وليها كما ولي " لو " ؛ فأجيب بجواب " لو " ؛ ودخلت كل واحدة منها على أختها؛ قال الله - عز وجل -: ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون ؛ فجرت مجرى: " ولو أرسلنا ريحا " ؛ وكذلك قال الأخفش بهذا [ ص: 224 ] القول؛ قال سيبويه؛ وجميع أصحابه: إن معنى " لظلوا من بعده يكفرون " : " ليظلن " ؛ ومعنى " لئن " ؛ غير معنى " لو " ؛ في قول الجماعة؛ وإن كان هؤلاء قالوا: إن الجواب متفق؛ فإنهم لا يدفعون أن معنى " لئن " : ما يستقبل؛ ومعنى " لو " ؛ ماض؛ وحقيقة معنى " لو " ؛ أنها يمتنع بها الشيء لامتناع غيره؛ تقول: " لو أتيتني لأكرمتك " ؛ أي: " لم تأتني؛ فلم أكرمك " ؛ فإنما امتنع إكرامي لامتناع إتيانك؛ ومعنى " إن " ؛ و " لئن " ؛ أنه يقع الشيء فيهما لوقوع غيره في المستقبل؛ تقول: " إن تأتني أكرمك " ؛ فالإكرام يقع بوقوع الإتيان؛ فهذه حقيقة معناهما؛ فأما التأويل فإن أهل الكتاب قد علموا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حق؛ وأن صفته ونبوته في كتابهم؛ وهم يحققون العلم بذلك؛ فلا تغني الآيات عند من يجد ما يعرف. وقوله - عز وجل -: وما بعضهم بتابع قبلة بعض ؛ لأن أهل الكتاب تظاهروا على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ واليهود لا تتبع قبلة النصارى؛ ولا النصارى تتبع قبلة اليهود؛ وهم مع ذلك في التظاهر على النبي متفقون. وقوله - عز وجل -: إنك إذا لمن الظالمين ؛ أي: إنك لمنهم إن اتبعت أهواءهم؛ وهذا الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ولسائر أمته؛ لأن ما خوطب به من هذا الجنس؛ فقد خوطب به الأمة؛ والدليل على ذلك قوله - عز وجل -: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء ؛ أول الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وليس معه لفظ الأمة؛ وآخره دليل أن الخطاب عام. [ ص: 225 ] وقوله - عز وجل -: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ؛ يعني به علماء اليهود.

و " الذين " ؛ رفع بالابتداء؛ وخبر " الذين " : " يعرفونه " ؛ وفي " يعرفونه " ؛ قولان: قال بعضهم: يعرفون أن أمر القبلة وتحول النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبل بيت المقدس إلى البيت الحرام حق؛ كما يعرفون أبناءهم؛ وقيل: معنى " يعرفونه " : يعرفون النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وصحة أمره.

التالي السابق


الخدمات العلمية