معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ؛ القراءة الرفع؛ وقد قرئت بالنصب؛ فالرفع على "فهو"؛ ويكون على معنى: "ما أراد الله فهو يكون" ؛ والنصب على ضربين؛ أحدهما أن يكون قوله: "فيكون"؛ عطفا على "أن نقول فيكون"؛ ويجوز أن يكون نصبا؛ على جواب "كن"؛ فـ "قولنا"؛ رفع بالابتداء؛ وخبره "أن نقول"؛ المعنى: "إنما قولنا لكل مراد قولنا كن"؛ وهذا خوطب العباد فيه بما يعقلون؛ وما أراد الله؛ فهو كائن على كل حال.

[ ص: 199 ] وعلى ما أراده من الإسراع؛ ولو أراد خلق الدنيا - السماوات والأرض - في قدر لمح البصر؛ لقدر على ذلك؛ ولكن العباد خوطبوا بما يعقلون؛ فأعلمهم الله سهولة خلق الأشياء عليه؛ قبل أن تكون؛ فأعلم أنه متى أراد الشيء كان؛ وأنه إذا قال: "كن"؛ كان؛ ليس أن الشيء قبل أن يخلق كان موجودا؛ إنما المعنى: إذا أردنا الشيء نقول من أجله "كن أيها المراد؛ فيكون"؛ على قدر إرادة الله؛ لأن القوم - أعني المشركين - أنكروا البعث ؛ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت؛ وهو معنى قوله: وكانوا يصرون على الحنث العظيم ؛ أي: كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون.

ولقد جاء في التفسير أن الحنث: الشرك؛ لأن من اعتقد هذا؛ فضلا على أن يحلف عليه؛ فهو مشرك؛ فقال - جل وعلا - بلى وعدا عليه حقا ؛ أي: بلى؛ يبعثهم وعدا عليه حقا؛ و"حقا"؛ منصوب؛ مصدر مؤكد لأنه إذا قال: "يبعثهم"؛ دل على "وعد بالبعث وعدا".

التالي السابق


الخدمات العلمية