معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله (تعالى): ثم لننـزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ؛ و"عتيا"؛ بالكسر؛ والضم؛ ومعناه: "لننزعن من كل أمة؛ ومن كل فرقة؛ الأعتى؛ فالأعتى منهم"؛ كأنهم يبدأ بتعذيب أشدهم عتيا؛ ثم الذي يليه؛ فأما رفع "أيهم"؛ فهو القراءة؛ ويجوز "أيهم"؛ بالنصب؛ حكاها سيبويه ؛ وذكر سيبويه أن هارون الأعور ؛ القارئ؛ قرأ بها؛ وفي رفعها ثلاثة أقوال؛ قال سيبويه ؛ عن يونس : إن قوله - جل وعز -: "لننزعن"؛ معلقة؛ لم تعمل شيئا؛ فكأن قول يونس : "ثم لننزعن من كل شيعة"؛ ثم استأنف فقال: "أيهم أشد على الرحمن عتيا؟!"؛ وأما الخليل فحكى عنه سيبويه أنه على معنى "الذين": "يقال: أيهم أشد على الرحمن عتيا؟!"؛ ومثله عنده قول الشاعر:


ولقد أبيت من الفتاة بمنزل فأبيت لا حرج ولا محروم

المعنى: "فأبيت بمنزلة الذي يقال له: لا هو حرج؛ ولا هو محروم" .

[ ص: 340 ] وقال سيبويه : إن "أيهم"؛ مبنية على الضم؛ لأنها خالفت أخواتها؛ واستعمل معها حرف الابتداء؛ تقول: "اضرب لأيهم أفضل"؛ يريد: "أيهم هو أفضل"؛ فيحسن الاستعمال؛ كذلك يحذف "هو"؛ ولا يحسن "اضرب من أفضل"؛ حتى تقول: "من هو أفضل"؛ ولا يحسن "كل ما أطيب"؛ حتى تقول: "كل ما هو أطيب"؛ فلما خالفت "من"؛ و"ما"؛ و"الذي"؛ لأنك لا تقول أيضا: "خذ الذي أفضل"؛ حتى تقول: "هو أفضل"؛ قال: فلما خالفت هذا الخلاف؛ بنيت على الضم في الإضافة؛ والنصب حسن؛ وإن كنت قد حذفت "هو"؛ لأن "هو"؛ قد يجوز حذفها؛ وقد قرئت: "تماما على الذي أحسن وتفصيلا"؛ على معنى: "الذي هو أحسن".

قال أبو إسحاق : والذي أعتقده أن القول في هذا قول الخليل ؛ وهو موافق للتفسير؛ لأن الخليل كان مذهبه؛ أو تأويله في قوله (تعالى): "ثم لننزعن من كل شيعة الذي من أجل عتوه يقال: أي هؤلاء أشد عتيا؟!"؛ فيستعمل ذلك في الأشد؛ فالأشد؛ والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية