معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ؛ " تأكلوا " ؛ جزم ب " لا " ؛ لأن " لا " ؛ التي ينهى بها تلزم الأفعال؛ دون الأسماء؛ [ ص: 258 ] وتأثيرها فيها بالجزم؛ لأن الرفع يدخلها؛ بوقوعها موضع الأسماء؛ والنصب يدخلها لمضارعة الناصب فيها الناصب للأسماء؛ وليس فيها بعد هذين الحيزين إلا الجزم؛ ومعنى " بالباطل " : أي: بالظلم.

وتدلوا بها إلى الحكام ؛ أي: تعملون على ما يوجبه ظاهر الحكم؛ وتتركون ما قد علمتم أنه الحق؛ ومعنى " تدلوا " ؛ في اللغة: إنما أصله من " أدليت الدلو " ؛ إذا أرسلتها للملء؛ و " دلوتها " ؛ إذا أخرجتها؛ ومعنى " أدلى لي فلان بحجته " : أرسلها؛ وأتى بها على صحة؛ فمعنى " وتدلوا بها إلى الحكام " : أي: تعملون على ما يوجبه الإدلاء بالحجة؛ وتخونون في الأمانة.

لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ؛ أي: وأنتم تعلمون أن الحجة عليكم في الباطن؛ وإن ظهر خلافها؛ ويجوز أن يكون موضع " وتدلوا " : جزما؛ ونصبا؛ فأما الجزم فعلى النهي؛ معطوف على " ولا تأكلوا " ؛ ويجوز أن تكون نصبا؛ على ما تنصب الواو؛ وهو الذي يسميه بعض النحويين " الصرف " ؛ ونصبه بإضمار " أن " ؛ المعنى: لا تجمعوا بين الأكل بالباطل؛ والإدلاء إلى الحكام؛ وقد شرحنا هذا قبل هذا المكان.

التالي السابق


الخدمات العلمية