معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: وأتموا الحج والعمرة لله ؛ يجوز في " العمرة " ؛ النصب؛ والرفع؛ والمعنى في النصب: أتموهما؛ والمعنى في الرفع: وأتموا الحج؛ والعمرة لله؛ أي: هي مما تتقربون به إلى الله - عز وجل -؛ وليس بفرض؛ وقيل أيضا - في قوله - عز وجل -: وأتموا الحج والعمرة ؛ غير قول: يروى عن علي ؛ وابن مسعود - رحمة الله عليهما - أنهما قالا: إتمامهما أن تحرم من دويرة أهلك؛ ويروى عن غيرهما أنه قال: إتمامهما أن تكون النفقة حلالا؛ وينتهي عما نهى الله عنه؛ وقال بعضهم: إن الحج والعمرة لهما مواقف ومشاعر؛ كالطواف؛ والموقف بعرفة؛ وغير ذلك؛ فإتمامهما تأدية كل ما فيهما؛ وهذا بين؛ ومعنى " اعتمر " ؛ في اللغة؛ قيل فيه قولان: قال بعضهم: " اعتمر " : قصد؛ قال الشاعر:


لقد سما ابن معمر حين اعتمر ... مغزى بعيدا من بعيد وضبر



[ ص: 267 ] المعنى: حين قصد مغزى بعيدا؛ وقال بعضهم: معنى " اعتمر " : زار؛ من " الزيارة " ؛ ومعنى " العمرة " ؛ في العمل: الطواف بالبيت؛ والسعي بين الصفا؛ والمروة؛ فقط؛ والعمرة للإنسان في كل السنة؛ والحج وقته وقت واحد من السنة؛ ومعنى " اعتمر " ؛ عندي؛ في قصد البيت؛ أنه إنما خص بهذا - أعني بذكر " اعتمر " - لأنه قصد العمل في وضع عامر ؛ لهذا قيل: معتمر. وقوله - عز وجل -: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ؛ الرواية عند أهل اللغة أنه يقال للرجل الذي يمنعه الخوف؛ أو المرض؛ من التصرف: " قد أحصر " ؛ فهو محصر؛ ويقال للرجل الذي حبس: " قد حصر " ؛ فهو محصور؛ وقال الفراء : لو قيل للذي حبس " أحصر " ؛ لجاز؛ كأنه يجعل حابسه بمنزلة المرض؛ والخوف؛ الذي منعه من التصرف؛ والحق في هذا ما عليه أهل اللغة من أنه يقال للذي يمنعه الخوف؛ والمرض: " أحصر " ؛ وللمحبوس: " حصر " ؛ وإنما كان ذلك هو الحق لأن الرجل إذا امتنع من التصرف فقد حبس نفسه؛ فكأن المرض أحبسه؛ أي: جعله يحبس نفسه؛ وقوله: " حصرت فلانا " ؛ إنما هو حبسته؛ لا أنه حبس نفسه؛ ولا يجوز فيه " أحصر " ؛ وقوله - عز وجل -: فما استيسر من الهدي ؛ موضع " ما " : رفع؛ المعنى: فواجب عليه ما استيسر من الهدي؛ وقد قيل في " الهدي " : " الهدي " ؛ و " الهدي " : جمع " هدية " ؛ و " هدي " ؛ كقولهم في حذية السرج: " حذية " ؛ و " حذي " ؛ وقال بعضهم: " ما استيسر " : ما تيسر؛ من الإبل؛ والبقر؛ وقال بعضهم: بعير؛ أو بقرة؛ أو شاة؛ وهذا هو الأجود.

وقوله - عز وجل -: ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ؛ [ ص: 268 ] قالوا في " محله " : من كان حاجا محله يوم النحر؛ ولمن كان معتمرا يوم يدخل مكة . وقوله - عز وجل -: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية ؛ أي: فعليه فدية؛ ولو نصب جاز في اللغة؛ على إضمار فليعط فدية؛ أو فليأت بفدية؛ وإنما عليه الفدية إذا حلق رأسه؛ وحل من إحرامه؛ وقوله: أو نسك ؛ أي: أو نسيكة يذبحها؛ والنسيكة: الذبيحة. وقوله - عز وجل -: فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ؛ أي: فعليه ما استيسر من الهدي؛ وموضع " ما " ؛ رفع؛ ويجوز أن يكون نصبا؛ على إضمار فليهد ما استيسر من الهدي. وقوله - عز وجل -: فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ؛ معناه: فعليه صيام؛ والنصب؛ جائز؛ على: " فليصم هذا الصيام " ؛ ولكن القراءة لا تجوز بما لم يقرأ به. وقوله - عز وجل -: تلك عشرة كاملة ؛ قيل فيها غير قول: قال بعضهم: " كاملة " ؛ أي: تكمل الثواب؛ وقال بعضهم " كاملة " ؛ في البدل من الهدي؛ والذي في هذا - والله أعلم - أنه لما قيل: " فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم " ؛ جاز أن يتوهم المتوهم أن الفرض ثلاثة أيام في الحج؛ أو سبعة في الرجوع؛ فأعلم الله - عز وجل - أن العشرة مفترضة كلها؛ فالمعنى: [ ص: 269 ] المفروض عليكم صوم عشرة كاملة؛ على ما ذكر من تفرقها في الحج؛ والرجوع. وقوله - عز وجل -: ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ؛ أي: هذا الفرض على من لم يكن من أهله بمكة؛ و " حاضري المسجد الحرام " ؛ أصله " حاضرين المسجد الحرام " ؛ فسقطت النون للإضافة؛ وسقطت الياء في الوصل لسكونها؛ وسكون اللام في " المسجد " ؛ وأما الوقف فتقول فيه - متى اضطررت إلى أن تقف: " حاضري " .

التالي السابق


الخدمات العلمية