معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله (تعالى): فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ؛ قيل: هذا في النفخة الأولى؛ ويجوز أن يكون بعد النفخة الثانية؛ و " الصور " ؛ جاء في التفسير أنه قرن ينفخ فيه؛ فيبعث الناس في النفخة الثانية؛ قال - عز وجل -: ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ؛ وقال أهل اللغة - كثير منهم -: " الصور " : جمع " صورة " ؛ والذي جاء في اللغة جمع " صورة " : " صور " ؛ وكذلك جاء في القرآن: وصوركم فأحسن صوركم ؛ ولم يقرأ أحد: " فأحسن صوركم " ؛ ولو كان أيضا جمع " صورة " ؛ لقال أيضا: " ثم نفخ فيها أخرى " ؛ لأنك تقول: " هذه صور " ؛ ولا تقول: " هذا صور " ؛ إلا على ضعف؛ فهو على ما جاء في التفسير؛ فأما قوله: ولا يتساءلون ؛ وقال في موضع آخر: وقفوهم إنهم مسؤولون ؛ وقال في موضع آخر: وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ؛ فيقول القائل: كيف جاء " ولا يتساءلون " ؛ وجاء " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " ؟ فإن يوم القيامة مقداره خمسون [ ص: 23 ] ألف سنة؛ ففيه أزمنة؛ وأحوال؛ وإنما قيل: " يومئذ " ؛ كما تقول: " نحن اليوم نفعل كذا وكذا " ؛ وليس تريد به " في يومك " ؛ إنما تريد: " نحن في هذا الزمان " ؛ " فيوم " ؛ تقع للقطعة من الزمان؛ وأما فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ؛ فلا يسأل عن ذنبه ليستفهم؛ قد علم الله - عز وجل - ما سلف منهم؛ وأما قوله: وقفوهم إنهم مسؤولون ؛ فيسألون سؤال توبيخ؛ لا سؤال استفهام؛ كما قال: وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ؛ وإنما تسأل لتوبيخ من قتلها؛ وكذلك قوله: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ؛ فما يسأل عنه يوم القيامة تقرير وتوبيخ؛ والله - عز وجل - قد علم ما كان؛ وأحصى كبير ذلك وصغيره.

التالي السابق


الخدمات العلمية