معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ؛ معناه: بل أحسبتم أن تدخلوا الجنة. وقوله - عز وجل -: ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم ؛ معنى " مثل الذين " : أي: صفة الذين؛ أي: ولما يصبكم مثل الذي أصاب الذين خلوا من قبلكم؛ و " خلوا " : مضوا؛ مستهم البأساء والضراء ؛ البأساء والضراء: القتل؛ والفقر؛ وزلزلوا ؛ معنى " زلزلوا " : خوفوا؛ وحركوا بما يؤذي؛ وأصل الزلزلة في اللغة: من " زل الشيء عن مكانه؛ فإذا قلت: " زلزلته " ؛ فتأويله: كررت زلزلته من مكانه؛ وكل ما فيه ترجع كررت فيه فاء التفعيل؛ تقول: " أقل فلان الشيء " ؛ إذا رفعه من مكانه؛ فإذا كرر رفعه ورده؛ قيل: " قلقله " ؛ وكذا " صل " ؛ و " صلصل " ؛ و " صر " ؛ و " صرصر " ؛ فعلى هذا قياس هذا الباب؛ فالمعنى أنه يكرر عليهم التحريك بالخوف. وقوله - عز وجل -: حتى يقول الرسول ؛ [ ص: 286 ] قرئت: " حتى يقول الرسول " ؛ بالنصب؛ و " يقول " ؛ بالرفع؛ وإذا نصبت ب " حتى " ؛ فقلت: " سرت حتى أدخلها " ؛ فزعم سيبويه؛ والخليل ؛ وجميع أهل النحو الموثوق بعلمهم؛ أن هذا ينتصب على وجهين؛ فأحد الوجهين أن يكون الدخول غاية السير؛ والسير والدخول قد نصبا جميعا؛ فالمعنى: " سرت إلى دخولها " ؛ وقد مضى الدخول؛ فعلى هذا نصبت الآية؛ المعنى: " وزلزلوا إلى أن يقول الرسول " ؛ وكأنه: " حتى قول الرسول " ؛ ووجهها الآخر في النصب - أعني " سرت حتى أدخلها " - أن يكون السير قد وقع؛ والدخول لم يقع؛ ويكون المعنى " سرت كي أدخلها " ؛ وليس هذا وجه نصب الآية؛ ورفع ما بعد " حتى " ؛ على وجهين؛ فأحد الوجهين هو وجه الرفع في الآية؛ والمعنى: " سرت حتى أدخلها " ؛ وقد مضى السير والدخول؛ كأنه بمنزلة قولك: " سرت فأدخلها " ؛ بمنزلة: " سرت فدخلتها " ؛ وصارت " حتى " ؛ ههنا؛ مما لا يعمل في الفعل شيئا؛ لأنها تلي الجمل؛ تقول: " سرت حتى أني داخل " ؛ وقول الشاعر:


فيا عجبا حتى كليب تسبني ... كأن أباها نهشل أو مجاشع



فعملها في الجمل في معناها؛ لا في لفظها؛ والتأويل: " سرت حتى دخولها " ؛ وعلى هذا وجه الآية؛ ويجوز أن يكون السير قد مضى؛ والدخول واقع الآن؛ وقد انقطع السير؛ تقول: " سرت حتى أدخلها الآن " ؛ ما أمنع؛ فهذه جملة باب " حتى " . ومعنى الآية أن الجهد قد بلغ بالأمم التي قبل هذه الأمة حتى استبطؤوا النصر؛ فقال الله - عز وجل -: ألا إن نصر الله قريب ؛ [ ص: 287 ] فأعلم أولياءه أنه ناصرهم؛ لا محالة؛ وأن ذلك قريب منهم؛ كما قال: فإن حزب الله هم الغالبون

التالي السابق


الخدمات العلمية