معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله: ألم تر أن الله يزجي سحابا ؛ معنى: " يزجي " : يسوق؛ ثم يؤلف بينه ؛ أي: يجعل القطع المتفرقة من السحاب قطعة واحدة؛ ثم يجعله ركاما ؛ أي: يجعل بعض السحاب يركب بعضا؛ فترى الودق يخرج من خلاله ؛ " الودق " : المطر؛ ويقرأ: " من خلله " ؛ و " خلاله " ؛ أعم وأجود في القراءة؛ و " خلال " ؛ جمع " خلل " ؛ و " خلال " ؛ مثل: " جبل " ؛ و " جبال " ؛ ويجوز أن يكون " السحاب " ؛ جمع " سحابة " ؛ ويكون " بينه " ؛ أي: " بين جميعه " ؛ ويجوز أن يكون " السحاب " ؛ واحدا؛ إلا أنه قال: " بينه " ؛ لكثرته؛ ولا يجوز أن تقول: " جلست بين زيد " ؛ حتى تقول: " وعمرو " ؛ وتقول: " ما زلت أدور بين الكوفة " ؛ لأن " الكوفة " ؛ اسم يتضمن أمكنة كثيرة؛ فكأنك تقول: " ما زلت أدور بين طرق الكوفة " .

وقوله (تعالى): وينـزل من السماء من جبال فيها من برد ؛ ويجوز: " وينزل " ؛ بالتخفيف؛ ومعنى " من السماء من جبال فيها من برد " : " من جبال برد فيها " ؛ كما تقول: " هذا خاتم في يدي من حديد " ؛ المعنى: " هذا خاتم حديد في يدي " ؛ ويجوز - والله أعلم - أن يكون معنى " من جبال " ؛ من مقدار جبال من برد؛ كما تقول: " عند فلان جبال مال " ؛ تريد: " مقدار جبال " ؛ من كثرته؛ قوله: يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ؛ [ ص: 50 ] وقرأ أبو جعفر المدني: " يذهب بالأبصار " ؛ ولم يقرأ بها غيره؛ ووجهها في العربية ضعيف؛ لأن كلام العرب: " ذهبت به " ؛ و " أذهبته " ؛ وتلك جائزة أيضا؛ أعني الضم في الياء؛ في " يذهب " ؛ ومعنى " سنا برقه " : ضوء برقه؛ وقرئت: " سنا برقه يذهب بالأبصار " ؛ على جمع " برقة " ؛ و " برق " ؛ والفرق بين " برقه " ؛ بالضم؛ و " برقه " ؛ بالفتح؛ أن " البرق " : المقدار من البرق؛ و " البرقة " : أن يبرق الشيء مرة واحدة؛ كما تقول: " غرفت غرفة واحدة " ؛ تريد " مرة واحدة " ؛ و " الغرفة " : مقدار ما يغرف؛ وكذلك " اللقمة " ؛ و " اللقمة " .

التالي السابق


الخدمات العلمية