معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ؛ " أولئك " ؛ موضعه رفع بالابتداء؛ وخبره " الذين اشتروا الضلالة " ؛ وقد فسرنا واو " اشتروا " ؛ وكسرتها؛ فأما من يبدل من الضمة همزة؛ فيقول: " اشترؤ الضلالة " ؛ فغالط؛ لأن الواو المضمومة التي تبدل منها همزة إنما يفعل بها ذلك إذا لزمت صفتها؛ نحو قوله - عز وجل -: وإذا الرسل أقتت ؛ إنما الأصل: " وقتت " ؛ وكذلك " أدؤر " ؛ إنما أصلها: " أدور " ؛ وضمة الواو في قوله: " اشتروا الضلالة " ؛ [ ص: 92 ] إنما هي لالتقاء الساكنين؛ ومثله: لتبلون في أموالكم وأنفسكم ؛ لا ينبغي أن تهمز الواو فيه.

ومعنى الكلام أن كل من ترك شيئا؛ وتمسك بغيره؛ فالعرب تقول للذي تمسك به: " قد اشتراه " ؛ وليس ثم شراء؛ ولا بيع؛ ولكن رغبته فيه بتمسكه به؛ كرغبة المشتري بماله ما يرغب فيه؛ قال الشاعر:


أخذت بالجمة رأسا أزعرا ... وبالثنايا الواضحات الدردرا



وبالطويل العمر عمرا أقصرا ... كما اشترى الكافر إذ تنصرا

وقوله - عز وجل -: فما ربحت تجارتهم ؛ معناه: فما ربحوا في تجارتهم؛ لأن التجارة لا تربح؛ وإنما يربح فيها؛ ويوضع فيها؛ والعرب تقول: " قد خسر بيعك " ؛ و " ربحت تجارتك " ؛ يريدون بذلك الاختصار؛ وسعة الكلام؛ قال الشاعر: [ ص: 93 ]

وكيف تواصل من أصبحت ...     خلالته كأبي مرحب



يريد: كخلالة أبي مرحب؛ وقال الله - عز وجل -: بل مكر الليل والنهار ؛ والليل والنهار لا يمكران؛ إنما معناه: بل مكرهم في الليل؛ والنهار.

التالي السابق


الخدمات العلمية