معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين ؛ [ ص: 312 ] اللفظ لفظ الخبر؛ والمعنى الأمر؛ كما تقول: " حسبك درهم " ؛ فلفظه لفظ الخبر؛ ومعناه: " اكتف بدرهم " ؛ وكذلك معنى الآية: " لترضع الوالدات " ؛ يقال: " أرضعت المرأة؛ فهي مرضعة " ؛ قولهم: " امرأة مرضع " ؛ بغير هاء؛ معناه: " ذات إرضاع " ؛ فإذا أردتم اسم الفاعل على " أرضعت " ؛ قلت: " مرضعة " ؛ لا غير؛ ويقال: " رضع المولود؛ يرضع " ؛ و " رضع؛ يرضع " ؛ والأولى أكثر وأوضح؛ ويقال: " الرضاعة " ؛ و " الرضاعة " ؛ بالفتح؛ والكسر؛ والفتح أكثر الكلام؛ وأصحه؛ وعليه القراءة لمن أراد أن يتم الرضاعة ؛ وروى أبو الحسن الأخفش أن بعض بني تميم تقول: " الرضاعة " ؛ بكسر الراء؛ وروى الكسر أيضا غيره؛ ويقال: " الرضاع " ؛ و " الرضاع " ؛ ويقال: " ما حمله على ذلك إلا اللؤم والرضاعة " ؛ بالفتح؛ لا غير؛ ههنا؛ ويقال: " ما حمله عليه إلا اللؤم والرضع " ؛ مثل: " الحلف " ؛ و " الرضع " ؛ يقالان جميعا؛ ومعنى حولين كاملين ؛ أربعة وعشرون شهرا؛ من يوم يولد إلى يوم يفطم؛ وإنما قيل: " كاملين " ؛ لأن القائل يقول: قد مضى لذلك عامان؛ وسنتان؛ فيجيز أن السنتين قد مضتا؛ ويكون أن تبقى منهما بقية؛ إذا كان في الكلام دليل على إرادة المتكلم؛ فإذا قال: " كاملين " ؛ لم يجز أن تنقصا شيئا؛ وتقرأ: " لمن أراد أن تتم الرضاعة " ؛ و " لمن أراد أن يتم الرضاعة " ؛ وهذا هو الحق في الرضاعة؛ إلا أن يتراضيا - أعني الوالدين - في الفطام بدون الحولين؛ ويشاورا في ذلك. [ ص: 313 ] ومعنى: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن أي: على الزوج رزق المرأة المطلقة؛ إذا أرضعت الولد؛ وعليه الكسوة؛ ومعنى بالمعروف ؛ أي: بما يعرفون أنه العدل؛ على قدر الإمكان؛ ومعنى لا تكلف نفس إلا وسعها؛ أي: لا تكلف إلا قدر إمكانها.

وقوله - عز وجل -: لا تضار والدة بولدها ؛ قرئت على ضربين: " لا تضار والدة " ؛ برفع الراء؛ على معنى: " لا تكلف نفس " ؛ على الخبر الذي فيه معنى الأمر؛ ومن قرأ: " لا تضار والدة " ؛ بفتح الراء؛ فالموضع موضع جزم على النهي؛ الأصل: " لا تضارر " ؛ فأدغمت الراء الأولى في الثانية؛ وفتحت الثانية؛ لالتقاء الساكنين؛ وهذا الاختيار في التضعيف؛ إذا كان قبله فتح؛ أو ألف؛ الاختيار: " عض يا رجل " ؛ و " ضار زيدا يا رجل " ؛ ويجوز: " لا تضار والدة " ؛ بالكسر؛ ولا أعلم أحدا قرأ بها؛ فلا تقرأن بها؛ وإنما جاز الكسر لالتقاء الساكنين؛ لأنه الأصل في تحريك أحد الساكنين؛ ومعنى " لا تضار والدة بولدها " : لا تترك إرضاع ولدها غيظا على أبيه؛ فتضر به؛ لأن الوالدة أشفق على ولدها من الأجنبية؛ ولا مولود له بولده ؛ أي: لا يأخذه من أمه للإضرار بها؛ فيضر بولده؛ وعلى الوارث مثل ذلك؛ أي: عليه ترك الإضرار. وقوله - عز وجل -: فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور ؛ أي: فطاما؛ وتراضيا بذلك؛ بعد أن تشاورا؛ وعلما أن ذلك غير مدخل على الولد ضررا. [ ص: 314 ] فلا جناح عليهما ؛ أي: فلا إثم عليهما في الفصال؛ على ما وصفنا. وقوله - عز وجل -: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم ؛ معناه: تسترضعوا لأولادكم غير الوالدة؛ فلا إثم عليكم؛ إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف ؛ قيل فيه: إذا سلمتم الأمر إلى المسترضعة؛ وقيل: إذا أسلمتم ما أعطاه بعضكم لبعض من التراضي في ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية