معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل ؛ " الملأ " : أشراف القوم؛ ووجوههم؛ ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا من الأنصار وقد رجعوا من بدر يقول: ما قتلنا إلا عجائز صلعا؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: " أولئك الملأ من قريش ؛ لو حضرت فعالهم لاحتقرت فعلك " ؛ و " الملأ " ؛ في اللغة: الخلق؛ يقال: " أحسنوا ملأكم " ؛ أي: أخلاقكم؛ قال الشاعر:


تنادوا يا آل بهثة إذ رأونا ... فقلنا أحسني ملأ جهينا



أي: خلقا؛ ويقال: " أحسني ممالأة " ؛ أي: معاونة؛ ويقال: " رجل مليء " - " مهموز " -؛ أي: بين الملاء يا هذا؛ وأصل هذا كله في اللغة من شيء واحد؛ ف " الملأ " : الرؤساء؛ إنما سموا بذلك لأنهم ملء بما يحتاج إليه منهم؛ و " الملأ " ؛ الذي [ ص: 326 ] في الخلق؛ إنما هو الخلق المليء بما يحتاج إليه؛ و " الملا " : المتسع من الأرض؛ غير مهموز؛ يكتب بالألف؛ والياء؛ في قول قوم؛ وأما البصريون فيكتبون بالألف؛ قال الشاعر - في الملا؛ المقصور؛ الذي يدل على المتسع من الأرض:


ألا غنياني وارفعا الصوت بالملا ...     فإن الملا عندي يزيد المدى بعدا



وقوله - عز وجل -: ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ؛ الجزم في " نقاتل في سبيل الله " ؛ الوجه على الجواب للمسألة التي في لفظ الأمر؛ أي: " ابعث لنا ملكا نقاتل " ؛ أي: " إن تبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله " ؛ ومن قرأ: " ملكا يقاتل " ؛ بالياء؛ فهو على صفة الملك؛ ولكن " نقاتل " ؛ هو الوجه الذي عليه القراء؛ والرفع فيه بعيد؛ يجوز على معنى " فإنا نقاتل في سبيل الله " ؛ وكثير من النحويين لا يجيز الرفع في " نقاتل " .

وقوله - عز وجل -: هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ؛ أي: لعلكم أن تجبنوا عن القتال؛ وقرأ بعضهم: " هل عسيتم - بكسر السين - إن كتب عليكم القتال " ؛ وهي قراءة نافع ؛ وأهل اللغة كلهم يقولون: " عسيت أن أفعل " ؛ ويختارونه؛ وموضع " ألا تقاتلوا " : نصب؛ أعني موضع " أن " ؛ لأن " أن " ؛ وما عملت فيه؛ كالمصدر؛ إذا قلت: " عسيت أن أفعل ذاك " ؛ فكأنك قلت: " عسيت فعل ذلك " . وقوله - عز وجل -: قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله ؛ [ ص: 327 ] زعم أبو الحسن الأخفش أن " أن " ؛ ههنا؛ زائدة؛ قال: المعنى: وما لنا لا نقاتل في سبيل الله؛ وقال غيره: " وما لنا في ألا نقاتل في سبيل الله " ؛ وأسقط " في " ؛ وقال بعض النحويين: إنما دخلت " أن " ؛ لأن " ما " ؛ معناه: " ما يمنعنا؟ " ؛ فلذلك دخلت " أن " ؛ لأن الكلام: ما لك تفعل كذا وكذا؛ والقول الصحيح عندي أن " أن " ؛ لا تلغى ههنا؛ وأن المعنى: وأي شيء لنا في ألا نقاتل في سبيل الله؟ " ؛ أي: " أي شيء لنا في ترك القتال؟ " ؛ وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا ؛ ومعنى " وأبنائنا " : أي: سبيت ذرارينا؛ ولكن " في " ؛ سقطت مع " أن " ؛ لأن الفعل مستعمل مع " أن " ؛ دالا على وقت معلوم؛ فيجوز مع " أن " ؛ حذف حرف الجر؛ كما تقول: " هربت أن أقول ك كذا وكذا " ؛ تريد: " هربت أن أقول لك كذا وكذا " .

وقوله - عز وجل - تولوا إلا قليلا منهم ؛ " قليلا " ؛ منصوب على الاستثناء؛ فأما من روى: " تولوا إلا قليل منهم " ؛ فلا أعرف هذه القراءة؛ ولا لها عندي وجه؛ لأن المصحف على النصب؛ والنحو يوجبها؛ لأن الاستثناء إذا كان أول الكلام إيجابا؛ نحو قولك: " جاءني القوم إلا زيدا " ؛ فليس في " زيد " ؛ المستثنى؛ إلا النصب؛ والمعنى: " تولوا؛ أستثني قليلا منهم " ؛ وإنما ذكرت هذه لأن بعضهم روى: " فشربوا منه إلا قليل منهم " ؛ وهذا عندي ما لا وجه له.

التالي السابق


الخدمات العلمية