معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ؛ " الرسل " ؛ صفة ل " تلك " ؛ كقولك: " أولئك الرسل فضلنا بعضهم على بعض " ؛ إلا أنه قيل: " تلك " ؛ للجماعة؛ وخبر الابتداء: " فضلنا بعضهم على بعض " ؛ ومعنى: منهم من كلم الله أي: من كلمه الله. [ ص: 334 ] والهاء حذفت من الصلة؛ لطول الاسم؛ وهو موسى - صلى الله عليه وسلم -؛ أسمعه الله كلامه من غير وحي أتاه به عن الله ملك. وقوله - عز وجل -: وآتينا عيسى ابن مريم البينات ؛ أي: أعطيناه؛ و " البينات " : الحجج التي تدل على إثبات نبوته - صلى الله عليه وسلم -؛ من إبراء الأكمه؛ والأبرص؛ وإحياء الموتى؛ والإنباء بما غاب عنه. وقوله - عز وجل -: ورفع بعضهم درجات ؛ جاء في التفسير أنه يعنى به محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ أرسل إلى الناس كافة؛ وليس شيء من الآيات التي أعطيها الأنبياء إلا والذي أعطي محمد - صلى الله عليه وسلم - أكثر منه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كلمته الشجرة؛ وأطعم من كف التمر خلقا كثيرا؛ وأمر يده على شاة أم معبد فدرت؛ وحلبت بعد جفاف؛ ومنها انشقاق القمر؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الآيات في الأرض؛ ورآها في السماء؛ والذي جاء في آيات النبي كثير؛ فأما انشقاق القمر وصحته فقد روينا فيه أحاديث: حدثني إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن المنهال قال: حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد ؛ عن قتادة ؛ عن أنس قال: سأل أهل مكة النبي - صلى الله عليه وسلم - آية؛ فأراهم انشقاق القمر فرقتين ؛ وحدثني مسدد ؛ يرفعه إلى أنس أيضا؛ مثل ذلك؛ ونحن نذكر جميع ما روي في هذا الباب في مكانه إن شاء الله؛ ولكنا ذكرنا ههنا جملة من الآيات؛ لنبين بها فضل النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أتى به من الآيات؛ ومن أعظم الآيات القرآن؛ الذي أتى به العرب؛ وهم أعلم قوم بالكلام؛ لهم الأشعار؛ ولهم السجع؛ والخطابة؛ وكل ذلك معروف في كلامها؛ فقيل لهم: ائتوا بعشر سور؛ فعجزوا عن ذلك؛ وقيل لهم: ائتوا بسورة؛ ولم يشترط عليهم فيها [ ص: 335 ] أن تكون ك " البقرة " ؛ و " آل عمران " ؛ وإنما قيل لهم: ائتوا بسورة؛ فعجزوا عن ذلك؛ فهذا معنى: " ورفع بعضهم درجات " . وقوله - عز وجل -: ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم ؛ يعني: من بعد الرسل؛ من بعد ما جاءتهم البينات ؛ أي: من بعد ما وضحت لهم البراهين؛ فلو شاء الله ما أمر بالقتال بعد وضوح الحجة؛ ويجوز أن يكون: ولو شاء الله ما اقتتلوا؛ أي: لو شاء الله أن يضطرهم أن يكونوا مؤمنين غير مختلفين؛ لفعل ذلك؛ كما قال: ولو شاء الله لجمعهم على الهدى

التالي السابق


الخدمات العلمية