معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: أولم يهد لهم كم أهلكنا ؛ وقرئت بالنون: " أولم نهد لهم " ؛ وزعم بعض النحويين أن " كم " ؛ في موضع رفع بـ " يهد " ؛ والمعنى عنده: " أولم نبين لهم القرون التي أهلكنا من قبلهم؟! " ؛ وهذا عندنا - أعني عند البصريين -؛ لا يجوز؛ لأنه يعمل ما قبل " كم " ؛ في " كم " ؛ لا يجوز في قولك: " كم رجل جاءني " ؛ وأنت مخبر؛ أن تقول: " جاءني كم رجل " ؛ لأن كم لا تزال عن الابتداء؛ ولذلك جاز أن يفصل بينها وبين ما عملت فيه إذا نصبت بما في الخبر؛ والاستفهام؛ تقول في الخبر: " كم بجود مقرفا نال الغنى " . [ ص: 211 ] ففصلت بين " كم " ؛ وبين قولك: " مقرفا " ؛ بقولك " بجود " ؛ فيكون الفصل فيها بين " كم " ؛ وما عملت فيه؛ عوضا من تصرفها؛ ألا ترى أنه لا يجوز " عشرون عندي درهما " ؟ ويجوز في الخبر " كم عندي درهما جيدا " ؛ وحقيقة هذا أن " كم " ؛ في موضع نصب بـ " أهلكنا " ؛ وفاعل " يهد " ؛ ما دل عليه المعنى مما سلف من الكلام؛ ويكون " كم " ؛ أيضا دليلا على الفاعل في " يهدي " ؛ ويدل على هذا قراءة من قرأ: " أولم نهد " ؛ بالنون؛ أي: " ألم نبين لهم؟! " ؛ ويجوز أيضا على " يهد " ؛ بالياء؛ أن يكون الفعل لله - عز وجل -؛ يدل عليه قراءة من قرأ: " أولم نهد " .

التالي السابق


الخدمات العلمية