معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ؛ هذه كلمة يوقف بها المخاطب على أمر يعجب منه؛ ولفظها لفظ استفهام؛ تقول في الكلام: " ألم تر إلى فلان صنع كذا؛ وصنع كذا؟ " ؛ وهذا مما أعلمه النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة على أهل الكتاب؛ ومشركي العرب؛ لأنه نبأ لا يجوز أن يعلمه إلا من وقف عليه بقراءة كتاب؛ أو تعليم معلم؛ أو بوحي من الله - عز وجل -؛ فقد علمت العرب الذين نشأ بينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أمي؛ وأنه لم يعلم التوراة؛ والإنجيل؛ وأخبار من مضى من الأنبياء؛ فلم يبق وجه تعلم منه هذه الأحاديث إلا الوحي. وقوله - عز وجل -: أن آتاه الله الملك ؛ أي: آتى الكافر الملك؛ وهذا هو الذي عليه أهل التفسير؛ وعليه يصح [ ص: 341 ] المعنى؛ وقال قوم: إن الذي آتاه الله الملك إبراهيم - عليه السلام -؛ وقالوا: الله - عز وجل - لا يملك الكفار؛ وإنما قالوا هذا لذكره - عز وجل -: " آتاه الملك " ؛ والله قال: تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ؛ فتأويل إيتاء الله الكافر الملك ضرب من امتحانه الذي يمتحن الله به خلقه؛ وهو أعلم بوجه الحكمة فيه؛ والدليل على أن الكافر هو الذي كان ملك أنه قال: أنا أحيي وأميت ؛ وأنه دعا برجلين؛ فقتل أحدهما؛ وأطلق الآخر؛ فلولا أنه كان ملكا؛ وإبراهيم - عليه السلام - غير ملك لم يتهيأ له أن يقتل وإبراهيم الملك؛ وهو النبي - عليه السلام -؛ وأما معنى احتجاجه على إبراهيم بأنه يحيي ويميت؛ وترك إبراهيم مناقضته في الإحياء؛ والإماتة؛ فمن أبلغ ما يقطع به الخصوم ترك الإطالة والاحتجاج بالحجة المسكتة؛ لأن إبراهيم لما قال له: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ؛ كان جوابه على حسب ما أجاب في المسألة الأولى أن يقول: فأنا أفعل ذلك؛ فتبين عجزه؛ وكان في هذا إسكات الكافر؛ فقال الله - عز وجل -: فبهت الذي كفر ؛ وتأويله: انقطع وسكت متحيرا؛ يقال: " بهت الرجل؛ يبهت؛ بهتا " ؛ إذا انقطع وتحير؛ ويقال بهذا المعنى: " بهت الرجل يبهت " ؛ ويقال: " بهت الرجل؛ أبهته؛ بهتانا " ؛ إذا قابلته بكذب.

التالي السابق


الخدمات العلمية