معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
[ ص: 279 ] وقوله - جل وعز -: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا ؛ وقرأ ابن عباس؛ وابن مسعود - رحمهما الله -: " إنا جعلنا في أيمانهم " ؛ وقرأ بعضهم: " في أيديهم أغلالا " ؛ وهاتان القراءتان لا يجب أن يقرأ بواحدة منهما; لأنهما بخلاف المصحف؛ فالمعنى في قوله: " في أعناقهم " ؛ ومن قرأ: " في أيمانهم " ؛ ومن قرأ: " في أيديهم " ؛ فمعنى واحد؛ وذلك أنه لا يكون الغل في العنق دون اليد؛ ولا في اليد دون العنق؛ فالمعنى: " إنا جعلنا في أعناقهم؛ وفي أيمانهم؛ أغلالا " ؛ فهي إلى الأذقان ؛ كناية عن الأيدي؛ لا عن الأعناق؛ لأن الغل يجعل اليد تلي الذقن؛ والعنق هو مقارب للذقن؛ لا يجعل الغل العنق إلى الذقن؛ وقوله: فهم مقمحون ؛ " المقمح " : الرافع رأسه؛ الغاض بصره؛ وقيل للكانونين: " شهرا قماح " ؛ لأن الإبل إذا وردت الماء ترفع رؤوسها لشدة برده؛ ولذا قيل: " شهرا قماح " ؛ وإنما ذكرت الأعناق؛ ولم تذكر الأيدي؛ إيجازا؛ واختصارا؛ لأن الغل يتضمن العنق واليد؛ ومن قرأ: " في أيمانهم " ؛ فهو أيضا يدل على العنق؛ ومثل هذا قول المثقب:

فما أدري إذا يممت أرضا ... أريد الخير أيهما يليني؟

أألخير الذي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي هو يبتغيني

[ ص: 280 ] وإنما ذكر الخير وحده؛ ثم قال: " أيهما يليني " ؛ لأن قد علم أن الإنسان الخير والشر معرضان له؛ لا يدري إذا أم أرضا أيلقاه هذا أم هذا؛ ومثله من كتاب الله: سرابيل تقيكم الحر ؛ ولم يذكر البرد؛ لأن ما وقى هذا؛ وقى هذا.

التالي السابق


الخدمات العلمية