معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
يا حسرة على العباد ؛ وقرئت: " يا حسرة العباد " ؛ بغير " على " ؛ ولكني لا أحب القراءة بشيء خالف المصحف البتة؛ وهذه من أصعب مسألة في القرآن؛ إذا قال القائل: ما الفائدة في مناداة الحسرة؛ والحسرة مما لا يجيب؟ فالفائدة في مناداتها كالفائدة في مناداة ما لا يعقل؛ لأن النداء باب تنبيه؛ إذا قلت: " يا زيد " ؛ فإن لم تكن دعوته لتخاطبه لغير النداء؛ فلا معنى للكلام؛ إنما تقول: " يا زيد " ؛ فتنبهه بالنداء؛ ثم تقول له: " فعلت كذا؛ وافعل كذا " ؛ وما أحببت؛ مما له فيه فائدة؛ ألا ترى أنك تقول لمن هو مقبل عليك: " يا زيد؛ ما أحسن ما صنعت! " ؟ ولو قلت له: " ما أحسن ما صنعت! " ؛ كنت قد بلغت في الفائدة ما أفهمت به؛ غير أن قولك: " يا زيد " ؛ أوكد في الكلام؛ وأبلغ في الإفهام؛ وكذا إذا قلت للمخاطب: " أنا أعجب مما فعلت " ؛ فقد أفدته أنك متعجب؛ ولو قلت: " واعجباه مما فعلت! " ؛ و " يا عجباه! أتفعل كذا وكذا؟! " ؛ كان دعاؤك العجب أبلغ في الفائدة؛ والمعنى: " يا عجب أقبل؛ فإنه من أوقاتك " ؛ وإنما نداء العجب تنبيه لتمكن علم المخاطب بالتعجب من فعله؛ وكذلك إذا قلت: " ويل لزيد " ؛ أو " ويل زيد؛ لم فعل [ ص: 285 ] كذا وكذا؟! " ؛ كان أبلغ؛ وكذلك في كتاب الله - عز وجل -: يا ويلتى أألد وأنا عجوز ؛ وكذلك: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ؛ وكذلك: يا حسرة على العباد ؛ والمعنى في التفسير أن استهزاءهم بالرسل حسرة عليهم؛ والحسرة أن يركب الإنسان من شدة الندم ما لا نهاية له بعده؛ حتى يبقى قلبه حسيرا.

التالي السابق


الخدمات العلمية