معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ؛ معناه أن الله احتج على العرب بأنه خالقهم؛ وخالق من قبلهم؛ لأنهم كانوا مقرين بذلك؛ والدليل على ذلك قوله: ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ؛ [ ص: 98 ] قيل لهم: إن كنتم مقرين بأنه خالقكم؛ فاعبدوه؛ ولا تعبدوا الأصنام؛ وقوله: " لعلكم تتقون " ؛ معناه: تتقون الحرمات بينكم؛ وتكفون عما تأتون مما حرمه الله؛ فأما " لعل " ؛ ففيها قولان ههنا عن بعض أهل اللغة؛ أحدهما: معناها: كي تتقوا؛ والذي يذهب إليه سيبويه في مثل هذا أنه ترج لهم؛ كما قال في قصة فرعون: لعله يتذكر أو يخشى ؛ كأنه قال: " اذهبا أنتما على رجائكما؛ وطمعكما؛ والله - عز وجل - من وراء ذلك؛ وعالم بما يؤول إليه أمر فرعون.

وأما إعراب " يا أيها " ؛ ف " أي " ؛ اسم مبهم؛ مبني على الضم؛ لأنه منادى مفرد؛ و " الناس " ؛ صفة ل " أي " ؛ لازمة؛ تقول: " يا أيها الرجل أقبل " ؛ ولا يجوز: " يا الرجل " ؛ لأن " يا " ؛ تنبيه بمنزلة التعريف في " الرجل " ؛ فلا يجمع بين " يا " ؛ وبين الألف واللام؛ فتصل إلى الألف واللام ب " أي " ؛ و " ها " ؛ لازمة ل " أي " ؛ للتنبيه؛ وهي عوض من الإضافة في " أي " ؛ لأن أصل " أي " ؛ أن تكون مضافة في الاستفهام؛ والخبر؛ وزعم سيبويه ؛ عن الخليل ؛ أن المنادى المفرد مبني؛ وصفته مرفوعة رفعا صحيحا؛ لأن النداء يطرد في كل اسم مفرد؛ فلما كانت البنية مطردة في المفرد خاصة؛ شبه بالمرفوع؛ فرفعت صفته.

والمازني يجيز في " يا أيها الرجل " ؛ النصب في " الرجل " ؛ ولم يقل بهذا القول أحد من البصريين غيره؛ وهو قياس؛ لأن موضع المفرد المنادى نصب؛ فحملت صفته على موضعه؛ وهذا في غير " يا أيها الرجل " ؛ جائز عند جميع النحويين؛ نحو قولك: " يا زيد الظريف " ؛ و " الظريف " ؛ والنحويون لا يقولون إلا: " يا أيها الرجل " ؛ " يا أيها [ ص: 99 ] الناس " ؛ والعرب لغتها في هذا الرفع؛ ولم يرد عنها غيره؛ وإنما المنادى في الحقيقة " الرجل " ؛ ولكن " أي " ؛ صلة إليه؛ وقال أبو الحسن الأخفش : إن " الرجل " ؛ أن يكون صلة ل " أي " ؛ أقيس؛ وليس أحد من البصريين يتابعه على هذا القول.

التالي السابق


الخدمات العلمية