معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
ثم بين - جل وعز - ما يدل على توحيده بما خلق؛ ويعجز عنه المخلوقون؛ فقال: خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها ؛ " ثم " ؛ لا تكون إلا لشيء بعد شيء؛ و " النفس الواحدة " ؛ يعني بها آدم - صلى الله عليه وسلم -؛ و " زوجها " ؛ حواء؛ وإنما قوله " ثم " ؛ لمعنى " خلقكم من نفس واحدة " ؛ أي: خلقها واحدة ثم جعل منها زوجها؛ أي: خلقها ثم جعل منها زوجها قبلكم؛ وقوله: وأنـزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ؛ يعني: من الإبل ذكرا وأنثى؛ ومن البقر ذكرا وأنثى؛ ومن الضأن كذلك؛ ومن المعز ذكرا وأنثى؛ يقال للذكر والأنثى: " زوجان " ؛ كل واحد منهما يقال له: " زوج " ؛ يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ؛ نطفا؛ ثم علقا؛ ثم مضغا؛ ثم عظاما؛ ثم تكسى العظام لحما؛ ثم تصور؛ وتنفخ فيها الروح؛ فذلك معنى قوله: خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ؛ في البطن؛ والرحم؛ والمشيمة؛ وقد قيل: في الأصلاب؛ والرحم؛ والبطن؛ ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو ؛ المعنى: " الذي دبر الخلق هذا التدبير؛ ليس كمثله شيء؛ فأنى تصرفون ؛ [ ص: 346 ] المعنى: " فمن أين تصرفون عن طريق الحق؟! " ؛ مثل: فأنى تؤفكون ؛ أي: فكيف تعدلون عن الحق بعد هذا البيان الذي يدل على صحة التوحيد؟!

التالي السابق


الخدمات العلمية