معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ؛ جاء في التفسير أن هذا الرجل - أعني مؤمن آل فرعون - كان يسمى " سمعان " ؛ وقيل: كان اسمه " حبيبا " ؛ ويكون " من آل فرعون " ؛ صفة للرجل؛ ويكون " يكتم إيمانه " ؛ معه محذوف؛ ويكون المعنى: " يكتم إيمانه منهم " ؛ ويكون " يكتم " ؛ من صفة " رجل " ؛ فيكون المعنى: " وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون " ؛ أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؛ المعنى: " لأن يقول ربي الله " ؛ وقد جاءكم بالبينات من ربكم ؛ أي: بما يدل على صدقه من آيات النبوة؛ وإن يك كاذبا فعليه كذبه ؛ أي: فلا يضركم. [ ص: 372 ] وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ؛ وهذا من لطيف المسائل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا وعد وعدا وقع الوعد بأسره؛ لم يقع بعضه؛ فالسؤال في هذا: من أين جاز أن يقول: " بعض الذي يعدكم " ؛ وحق اللفظ: " كل الذي يعدكم " ؛ فهذا باب من النظر يذهب فيه المناظر إلى إلزام الحجة بأيسر ما في الأمر؛ وليس في هذا نفي إصابة الكل؛ ومثل هذا قول الشاعر:


قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزلل



إنما ذكر البعض ليوجب له الكل؛ لا أن البعض هو الكل؛ ولكن للقائل إذا قال: أقل ما يكون للمتأني إدراك بعض الحاجة؛ وأقل ما يكون للمستعجل الزلل؛ فقد أبان فضل المتأني على المستعجل بما لا يقدر الخصم أن يدفعه؛ وكأن مؤمن آل فرعون قال لهم: " أقل ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم؛ وفي بعض ذلك هلاككم " ؛ فهذا تأويله؛ والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية