معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - جل شأنه -: قل اللهم مالك الملك ؛ أمر الله النبي - صلى الله عليه وسلم - بتقديمه؛ وذكر ما يدل على توحيده؛ ومعنى " مالك الملك " ؛ أن الله يملك العباد؛ ويملك ما ملكوا؛ ومعنى: تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء فيه قولان: تؤتي الملك - الذي هو المال؛ والعبيد؛ والحضرة - من تشاء؛ وتنزعه ممن تشاء؛ وقيل: " تؤتي الملك من تشاء " ؛ من جهة الغلبة بالدين؛ والطاعة؛ فجعل الله - عز وجل - كل ما في ملكه ملك غير مسلم للمسلمين [ ص: 393 ] ملكا غنيمة؛ وجعلهم أحق بالأملاك كلها؛ من كل أهل لمن خالفوا دين الإسلام؛ وقيل في التفسير: إن الله - عز وجل - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآيات أن يسأله نقل عز فارس إلى العرب؛ وذل العرب إلى فارس؛ والله أعلم بحقيقة ذلك؛ فأما إعراب " اللهم " ؛ فضم الهاء؛ وفتح الميم؛ لا اختلاف فى اللفظ به بين النحويين؛ فأما العلة فقد اختلف فيها النحويون؛ فقال بعضهم: معنى الكلام: " يا الله أم بخير " ؛ وهذا إقدام عظيم؛ لأن كل ما كان من هذا الهمز الذي طرح فأكثر الكلام الإتيان به؛ يقال: " ويل أمه " ؛ و " ويل امه " ؛ والأكثر إثبات الهمز؛ ولو كان كما يقول لجاز " أومم " ؛ و " الله أم " ؛ وكان يجب أن تلزمه ياء النداء؛ لأن العرب تقول: " يا الله اغفر لنا " ؛ ولم يقل أحد من العرب إلا " اللهم " ؛ ولم يقل أحد " يا اللهم " ؛ قال الله - عز وجل -: وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق ؛ وقال: قل اللهم فاطر السماوات والأرض ؛ فهذا القول يبطل من جهات؛ أحدها أن " يا " ؛ ليست في الكلام؛ وأخرى أن هذا المحذوف لم يتكلم به على أصله كما نتكلم بمثله؛ وأنه لا يقدم أمام الدعاء هذا الذي ذكره؛ وزعم أن الصفة التي في الهاء ضمة الهمزة التي كانت في " أم " ؛ وهذا محال أن يترك الضم الذي هو دليل على النداء للمفرد؛ وأن يجعل في " الله " ؛ ضمة " أم " ؛ هذا الحال في اسم الله - عز وجل. [ ص: 394 ] وزعم أن قولنا: " هلم " ؛ مثل ذلك؛ أن أصلها: " هل أم " ؛ وإنما هي " لم " ؛ والهاء للتنبيه؛ وقال المحتج بهذا القول: إن " يا " ؛ قد يقال مع: " اللهم " ؛ فيقال: " يا اللهم " ؛ ولا يروي أحد عن العرب هذا غيره؛ زعم أن بعضهم أنشده:


وما عليك أن تقولي كلما ... صليت أو سبحت يا اللهم ما

    اردد علينا شيخنا مسلما



وليس يعارض الإجماع؛ وما أتى به كتاب الله (تعالى)؛ ووجد في جميع ديوان العرب؛ بقول قائل: أنشدني بعضهم؛ وليس ذلك البعض بمعروف؛ ولا بمسمى؛ وقال الخليل ؛ وسيبويه ؛ وجميع النحويين الموثوق بعلمهم: إن " اللهم " ؛ بمعنى " يا الله " ؛ وأن الميم المشددة عوض من " يا " ؛ لأنهم لم يجدوا ياء مع هذه الميم في كلمة؛ ووجدوا اسم الله - جل وعز - مستعملا ب " يا " ؛ إذا لم يذكر الميم؛ فعلموا أن الميم من آخر الكلمة بمنزلة " يا " ؛ في أولها؛ والضمة التي في أولها ضمة الاسم المنادى في المفرد؛ والميم مفتوحة لسكونها وسكون الميم التي قبلها؛ وزعم سيبويه أن هذا الاسم لا يوصف؛ لأنه قد ضمت إليه الميم؛ فقال - في قوله - جل وعز -: قل اللهم فاطر السماوات والأرض ؛ إن " فاطر " ؛ منصوب على النداء؛ وكذلك " مالك الملك " ؛ ولكن لم يذكره في كتابه؛ والقول عندي أن " مالك الملك " ؛ صفة " الله " ؛ وأن " فاطر السماوات والأرض " ؛ كذلك؛ وذلك أن الاسم؛ ومعه الميم؛ بمنزلته ومعه " يا " ؛ فلا تمنع الصفة مع الميم كما تمنع مع " يا " . [ ص: 395 ] فهذا جملة تفسير وإعراب " اللهم " .

ومعنى وتنـزع الملك ممن تشاء ؛ على ما ذكرنا في " تؤتي الملك من تشاء " ؛ ومعنى: بيدك الخير ؛ أي: بيدك الخير كله؛ خير الدنيا؛ وخير الآخرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية