معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
[ ص: 405 ] وقوله - عز وجل -: فنادته الملائكة ؛ و " فناداه الملائكة " ؛ الوجهان جميعا جائزان؛ لأن الجماعة يلحقها اسم التأنيث؛ لأن معناها معنى جماعة؛ ويجوز أن يعبر عنها بلفظ التذكير؛ كما يقال: " جمع الملائكة " ؛ ويجوز أن تقول: " نادته الملائكة " ؛ وإنما ناداه جبرائيل وحده؛ لأن المعنى: أتاه النداء من هذا الجنس؛ كما نقول: " ركب فلان في السفن " ؛ وإنما ركب سفينة واحدة؛ تريد بذلك جعل ركوبه في هذا الجنس.

ويجوز أن الله يبشرك ؛ و " إن الله يبشرك " ؛ بفتح " إن " ؛ وكسرها؛ فمن فتح فالمعنى: نادته بأن الله يبشرك؛ أي: نادته بالبشارة؛ ومن كسر أراد: قالت الملائكة: إن الله يبشرك؛ و " إن " ؛ بعد القول أبدا مكسورة.

وفي " يبشرك " ؛ ثلاث لغات: " إن الله يبشرك " ؛ بفتح الباء؛ وتشديد الشين؛ وهي قراءة كثيرة جدا؛ و " يبشرك " ؛ بإسكان الباء؛ وضم الشين؛ وقرأ حميد وحده: " يبشرك " ؛ بضم الياء؛ وإسكان الباء؛ وكسر الشين؛ فمعنى " يبشرك " ؛ و " يبشرك " : البشارة؛ ومعنى " يبشرك " : يسرك؛ ويفرحك؛ يقال: " بشرت الرجل؛ أبشره؛ وأبشره " ؛ إذا أفرحته؛ ويقال: " بشر الرجل يبشر " ؛ وأنشد الأخفش؛ والكسائي ؛ وجماعة من النحويين:


وإذا لقيت الباهشين إلى الندا ... غبرا أكفهم بقاع ممحل [ ص: 406 ]     فأعنهم وابشر بما بشروا به
... وإذا هم نزلوا بضنك فانزل



فهذا على " بشر؛ يبشر " ؛ إذا فرح؛ وأصل هذا كله من أن بشرة الإنسان تنبسط عند السرور؛ ومن هذا قولهم: " فلان يلقاني ببشر " ؛ أي: بوجه منبسط.

و " يحيى " ؛ اسم؛ سماه الله (تعالى)؛ تولى هو - - عز وجل - ذلك؛ ولم يسم أحد قبل " يحيى " ؛ ب " يحيى " ؛ و " يحيى " ؛ لا ينصرف عربيا كان أو أعجميا؛ لأنه إن كان أعجميا فقد اجتمع فيه العجمة؛ والتعريف؛ ولو كان عربيا لم ينصرف لشبهه بالفعل؛ وأنه معرفة علم؛ ونصب " مصدقا " ؛ على الحال؛ ومعنى مصدقا بكلمة من الله أي: يصدق بأمر عيسى ؛ لأن يحيى فرض عليه - وإن كان يحيى أسن من عيسى - اتباع عيسى؛ ومعنى " سيدا وحصورا " ؛ " السيد " : الذي يفوق في الخير قومه؛ ومعنى " حصورا " ؛ أي: لا يأتي النساء؛ وإنما قيل للذي لا يأتي النساء " حصور " ؛ لأنه حبس عما يكون من الرجال؛ كما يقال في الذي لا يتيسر له الكلام: " قد حصر في منطقه " ؛ والحصور: الذي لا ينفق على الندامى؛ وهو ممن يفضلون عليه؛ قال الشاعر: [ ص: 407 ]

وشارب مربح بالكأس نادمني ...     لا بالحصور ولا فيها بسوار



ويروى: " ولا فيها بسآر " ؛ أي: نادمني وهو كريم منفق على الندامى؛ والسوار: المعربد؛ يساور نديمه؛ أي: يثب عليه؛ والسآر: الذي يفضل في إنائه إذا شرب؛ والحصور: الذي يكتم السر؛ أي: يحبس السر في نفسه؛ قال جرير:


ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا ...     حصرا بسرك يا أميم ضنينا



والحصير: هذا المرمول الذي يجلس عليه؛ إنما سمي " حصيرا " ؛ لأنه دوخل بعضه في بعض في النسيج؛ أي: حبس بعضه على بعض؛ ويقال للسجن: " الحصير " ؛ لأن الناس يحصرون فيه؛ ويقال: " حصرت الرجل " ؛ إذا حبسته؛ و " أحصره المرض " ؛ إذا منعه من السير؛ والحصير: الملك؛ وقول الله - جل وعلا -: وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا ؛ أي: حبسا؛ ويقال: " أصاب فلانا حصر " ؛ إذا احتبس عليه بطنه؛ ويقال في البول: " أصابه أسر " ؛ إذا احتبس عليه بوله؛ ومعنى من الصالحين الصالح: الذي يؤدي إلى الله ما عليه؛ ويؤدي إلى الناس حقوقهم. ؛

التالي السابق


الخدمات العلمية