معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ؛ وصفهم الله بأن بعضهم متحنن على بعض؛ وأن عليهم السكينة والوقار؛ وبعضهم يخلص المودة لبعض؛ وهم أشداء على الكفار؛ "أشداء": جمع "شديد"؛ والأصل "أشدداء"؛ نحو: "نصيب"؛ و"أنصباء"؛ ولكن الدالين تحركتا؛ فأدغمت الأولى في الثانية؛ ومثل هذا قوله: من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين [ ص: 29 ] وقوله: سيماهم في وجوههم من أثر السجود ؛ أي: في وجوههم علامة السجود؛ وهي علامة الخاشعين لله؛ المصلين؛ وقيل: يبعثون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الطهور؛ وهذا يجعله الله لهم يوم القيامة علامة؛ وهي السيماء؛ يبين بها فضلهم على غيرهم؛ وقوله: ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ؛ أي: ذلك صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في التوراة؛ ثم أعلم أن صفتهم في الإنجيل أيضا: كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه ؛ معنى "أخرج شطأه": أخرج نباته؛ فآزره فاستغلظ ؛ أي: فآزر الصغار الكبار حتى استوى بعضه مع بعض؛ على سوقه ؛ جمع "ساق"؛ وقوله: يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ؛ "الزراع": محمد - عليه السلام -؛ والدعاة إلى الإسلام؛ وهم أصحابه؛ وقوله: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ؛ "منهم"؛ فيه قولان: أن تكون "منهم"؛ ههنا؛ تخليصا للجنس من غيره؛ كما تقول: "أنفق نفقتك من الدراهم؛ لا من الدنانير"؛ المعنى: "اجعل نفقتك من هذا الجنس"؛ وكما قال: فاجتنبوا الرجس من الأوثان ؛ لا يريد أن بعضها رجس؛ وبعضها غير رجس؛ ولكن المعنى: "اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان"؛ [ ص: 30 ] فالمعنى: "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمنين أجرا عظيما؛ وفضلهم الله على غيرهم؛ لسابقتهم وعظم أجرهم؛ والوجه الثاني أن يكون المعنى: "وعد الله الذين أقاموا منهم على الإيمان؛ والعمل الصالح؛ مغفرة وأجرا عظيما.

التالي السابق


الخدمات العلمية