معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: فلما أحس عيسى منهم الكفر ؛ معنى " أحس " ؛ في اللغة: علم؛ ووجد؛ ويقال: هل أحست؟ " ؛ في معنى " هل أحسست؟ " ؛ ويقال: " حسيت بالشيء " ؛ إذا علمته؛ وعرفته؛ وأنشد الأصمعي :


سوى أن العتاق من المطايا ... حسين به فهن إليه شوس



ويقال: " حسهم القائد " ؛ أي: قتلهم؛ ومعنى: من أنصاري إلى الله ؛ جاء في التفسير: " من أنصاري مع الله؟ " ؛ و " إلى " ؛ ههنا؛ إنما قاربت " مع " ؛ معنى؛ بأن صار اللفظ لو عبر عنه ب " مع " ؛ أفاد مثل هذا المعنى؛ لا أن " إلى " ؛ في معنى " مع " ؛ لو قلت: " ذهب زيد إلى عمرو " ؛ لم يجز " ذهب زيد مع عمرو " ؛ لأن " إلى " ؛ غاية؛ و " مع " ؛ تضم الشيء إلى الشيء؛ فالمعنى: " يضيف نصرته إياي إلى نصرة الله " ؛ وقولهم إن " إلى " ؛ في معنى " مع " ؛ ليس بشيء؛ والحروف قد تقاربت في الفائدة؛ فيظن الضعيف العلم باللغة أن معناهما واحد؛ [ ص: 417 ] من ذلك قوله - جل وعز -: ولأصلبنكم في جذوع النخل ؛ ولو كانت " على " ؛ ههنا؛ لأدت هذه الفائدة؛ لأنك لو قلت: " لأصلبنكم على جذوع النخل " ؛ كان مستقيما؛ وأصل " في " ؛ إنما هو للوعاء؛ وأصل " على " ؛ لما مع الشيء؛ كقولك: " التمر في الجراب " ؛ ولو قلت: " التمر على الجراب " ؛ لم يصلح في هذا المعنى؛ ولكن جاز " ولأصلبنكم في جذوع النخل " ؛ لأن الجذع يشتمل على المصلوب؛ لأنه قد أخذه من أقطاره؛ ولو قلت: " زيد على الجبل " ؛ و " في الجبل " ؛ يصلح؛ لأن الجبل قد اشتمل على زيد؛ فعلى هذا مجاز هذه الحروف. وقوله - جل وعز -: قال الحواريون نحن أنصار الله ؛ قال الحذاق باللغة: " الحواريون " : صفوة الأنبياء - عليهم السلام - الذين خلصوا؛ وأخلصوا في التصديق بهم؛ ونصرتهم؛ فسماهم الله - جل وعز - " الحواريون " ؛ وقد قيل: إنهم كانوا قصارين؛ فسموا الحواريين؛ لتبييضهم الثياب؛ ثم صار هذا الاسم يستعمل فيمن أشبههم من المصدقين؛ تشبيها بهم؛ وقيل: إنهم كانوا ملوكا؛ وقيل: كانوا صيادين؛ والذي عليه أهل اللغة أنهم الصفوة؛ كما أخبرتك؛ ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " الزبير ابن عمتي؛ وحواريي من أمتي " ؛ ويقال لنساء الأنصار " حواريات " ؛ لأنهن تباعدن عن قشف الأعرابيات بنظافتهن؛ وأنشد أبو عبيدة وغيره لأبي جلدة اليشكري : [ ص: 418 ]

فقل للحواريات يبكين غيرنا ...     ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح



وقال أهل اللغة في المحور - وهو العود الذي تدور عليه البكرة - قولين؛ قال بعضهم: إنما قيل له " محور " ؛ للدوران؛ لأنه يرجع إلى المكان الذي زال منه؛ وقيل: إنما قيل له: " محور " ؛ لأنه بدورانه ينصقل حتى يصير أبيض؛ ويقال: " دقيق حوارى " ؛ من هذا؛ أي: قد أخذ لبابه؛ وكذلك " عجين محور " ؛ للذي يمسح وجهه بالماء حتى يصفو؛ ويقال: " عين حوراء " ؛ إذا اشتد بياضها؛ وخلص؛ واشتد سوادها؛ ولا يقال: " امرأة حوراء " ؛ إلا أن تكون - مع حور عينها - بيضاء؛ وما روي في الحديث: " نعوذ بالله من الحور بعد الكور " ؛ معناه: نعوذ بالله من الرجوع؛ والخروج عن الجماعة بعد الكور؛ أي: بعد أن كنا في الكور؛ أي: في الجماعة؛ يقال: " كار الرجل عمامته " ؛ إذا لفها على رأسه؛ و " حار عمامته " ؛ إذا نقضها؛ وقد قيل: " بعد الكون " ؛ ومعناه: بعد أن كنا على استقامة؛ إلا أن مع الكون محذوفا في الكلام دليلا عليه؛ وأما معنى قوله: فاكتبنا مع الشاهدين ؛ أي: اكتبنا مع الذين شهدوا للأنبياء بالتصديق؛ وحقيقة الشاهد أنه الذي يبين تصحيح دعوى المدعي؛ فالمعنى: صدقنا بالله؛ واعترفنا بصحة ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وثبتنا؛ فاكتبنا مع من فعل فعلنا.

التالي السابق


الخدمات العلمية