معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: يوم نقول لجهنم هل امتلأت ؛ وقرئت: "يوم يقول لجهنم"؛ نصب "يوم"؛ على وجهين: على معنى: "ما يبدل القول لدي في ذلك اليوم"؛ وعلى معنى: "أنذرهم يوم نقول لجهنم"؛ كما قال: وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر [ ص: 47 ] وقوله - عز وجل -: هل امتلأت ؛ أي: "أم لم تمتلئي؟"؛ وإنما السوال توبيخ لمن أدخلها؛ وزيادة في مكروهه؛ ودليل على تصديق قوله: لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين ؛ فأما قوله: وتقول هل من مزيد ؛ ففيه وجهان عند أهل اللغة؛ أحدهما أنها تقول ذلك بعد امتلائها؛ فتقول: هل من مزيد ؛ أي: "هل بقي في موضع لم يمتلئ؟"؛ أي: قد امتلأت؛ ووجه آخر: تقول: "هل من مزيد"؛ تغيظا على من عصى؛ كما قال - عز وجل -: سمعوا لها تغيظا وزفيرا ؛ فأما قولها هذا؛ ومخاطبتها؛ فالله - عز وجل - جعل فيها ما به تميز وتخاطب؛ كما جعل فيما خلق أن يسبح بحمده؛ وكما جعل في النملة أن قالت: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ؛ وقد زعم قوم أنها امتلأت؛ فصارت صورتها صورة من لو ميز لقال: هل من مزيد ؛ كما قال الشاعر:


امتلأ الحوض وقال قطني ... مهلا رويدا قد ملأت بطني



وليس هناك قول؛ وهذا ليس يشبه ذاك؛ لأن الله - عز وجل - قد أعلمنا أن المخلوقات تسبح؛ وأننا لا نفقه تسبيحها؛ فلو كان إنما هو أن يدل على أنها مخلوقة كنا نفقه تسبيحها.

التالي السابق


الخدمات العلمية