معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون ؛ [ ص: 111 ] بالخفض؛ وقرئت بالرفع؛ والذين قرؤوها بالرفع كرهوا الخفض؛ لأنه عطف على قوله: يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب ؛ فقالوا: الحور ليس مما يطاف به؛ ولكن مخفوض على غير ما ذهب إليه هؤلاء؛ لأن معنى يطوف عليهم ولدان مخلدون ينعمون بهذا؛ وكذلك ينعمون بلحم طير؛ وكذلك ينعمون بحور عين؛ ومن قرأ بالرفع فهو أحسن الوجهين؛ لأن معنى يطوف عليهم ولدان مخلدون ؛ بهذه الأشياء؛ بمعنى: ما قد ثبت لهم؛ فكأنه قال: "ولهم حور عين"؛ ومثله مما حمل على المعنى قول الشاعر:


بادت وغير آيهن مع البلى ... إلا رواكد جمرهن هباء

    ومشجج أما سواء قذاله
... فبدا وغير ساره المعزاء



لأنه قال: "إلا رواكد"؛ كان المعنى: "بها رواكد"؛ فحمل "ومشجج"؛ على المعنى؛ وقد قرئت: "وحورا عينا"؛ بالنصب؛ على الحمل على المعنى أيضا؛ لأن المعنى: "يعطون هذه الأشياء؛ يعطون حورا عينا"؛ إلا أن هذه القراءة تخالف المصحف الذي هو الإمام؛ وأهل العلم يكرهون أن يقرأ بما يخالف الإمام؛ ومعنى "الحور": الشديدات البياض؛ و"العين": الكبيرات العيون؛ حسانها؛ ومعنى كأمثال اللؤلؤ المكنون ؛ أي: كأمثال الدر حين يخرج من صدفه وكنه؛ لم يغيره الزمان واختلاف أحوال الاستعمال؛ وإنما يعني بقوله: كأمثال اللؤلؤ ؛ أي: في صفائهن؛ وتلألئهن؛ كصفاء الدر وتلألئه.

التالي السابق


الخدمات العلمية