معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - عز وجل -: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ؛ موضع " إذ " : نصب؛ المعنى - والله أعلم -: " واذكر في أقاصيصك إذ أخذ الله ميثاق النبيين؛ لما آتيتكم من كتاب وحكمة... " ؛ إلى قوله: لتؤمنن به ولتنصرنه ؛ " ما " ؛ ههنا على ضربين؛ يصلح أن يكون للشرط؛ والجزاء؛ وهو أجود الوجهين؛ لأن الشرط يوجب أن كل ما وقع من أمر الرسل فهذه طريقته؛ واللام دخلت في " ما " ؛ كما تدخل في " إن " ؛ التي للجزاء؛ إذا كان في جواب القسم؛ قال الله - عز وجل -: [ ص: 437 ] ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ؛ وقال: قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ؛ فاللام في " إن " ؛ دخلت مؤكدة؛ موطدة للام القسم؛ ولام القسم هي التي لليمين؛ لأن قولك: " والله لئن جئتني لأكرمنك " ؛ إنما حلفك على فعلك؛ إلا أن الشرط معلق به؛ فلذلك دخلت اللام على الشرط؛ فإذا كانت ما في معنى الجزاء؛ فموضعها نصب بقوله: " لما آتيتكم " ؛ والجزاء قوله: " لتؤمنن به " ؛ ويجوز أن يكون في معنى " الذي " ؛ ويكون موضعها رفعا؛ المعنى: أخذ الله ميثاقهم؛ أي: استحلفهم للذي آتيتكم؛ والمعنى: آتيتكموه لتومنن به؛ فتكون " ما " ؛ رفعا بالابتداء؛ ويكون خبر الابتداء " لتؤمنن به " ؛ وحذفت الهاء من " لما آتيتكم " ؛ لطول الاسم؛ فأعلم الله - عز وجل - أنه عهد إلى كل رسول أن يؤمن بغيره من الرسل؛ فصار العهد مشتملا على الجماعة أن يؤمن بعضهم ببعض؛ وأن ينصر بعضهم بعضا؛ ومعنى قوله: فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ؛ أي: فتبينوا؛ لأن الشاهد هو الذي يصحح دعوى المدعي؛ وشهادة الله للنبيين تبيينه أمر نبوتهم بالآيات المعجزات؛ ويجوز - وقد قرئ به -: " لما آتيتكم " ؛ فتكون اللام المكسورة معلقة بقوله: " أخذ " ؛ المعنى: أخذ الميثاق لإتيانكم الكتاب والحكمة؛ وقرأ بعضهم: " لما آتيناكم من كتاب وحكمة " ؛ أي: لما آتيناكم الكتاب والحكمة أخذ الميثاق " ؛ ويكون الكلام يؤول إلى الجزاء؛ كما تقول: " لما جئتني أكرمتك " .

التالي السابق


الخدمات العلمية