معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
قوله - عز وجل -: إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ؛ لأن الكافر الذي يعتقد الكفر؛ ويظهر الإيمان عند الله كمظهر الكفر؛ لأن الإيمان هو التصديق؛ والتصديق لا يكون إلا بالنية؛ ومعنى: فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ؛ أي: لو عمل من الخير؛ وقدم ملء الأرض ذهبا يتقرب به إلى الله؛ لم ينفعه ذلك مع كفره؛ قال أبو إسحاق : وكذلك لو افتدى من العذاب بملء الأرض ذهبا لم يقبل منه؛ فأعلم الله - عز وجل - أنه لا يثيبهم على أعمالهم بالخير؛ ولا يقبل منهم الفداء من العذاب؛ وقال بعض النحويين: إن الواو مسقطة؛ قال: المعنى: فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا لو افتدى به؛ وهذا غلط؛ لأن الفائدة في الواو بينة؛ وليست الواو مما يلغى. [ ص: 442 ] يقال: " ملأت الشيء أملؤه ملئا " ؛ المصدر بالفتح؛ لا غير؛ قال سيبويه؛ والخليل : " الملء " ؛ بفتح الميم: الفعل؛ وتقول: " هذا ملء هذا " ؛ أي: مقدار ما يملؤه؛ كما يقال: " رعيت رعيا " ؛ والمال في الرعي؛ فهذا فرق بين؛ وقال بعض النحويين: يقال: " ملأت ملئا؛ وملئا " ؛ وهذا غلط بين؛ لأن الموصوف ههنا أنه لو ملك مقدار ما يملأ الأرض؛ ما قبل منه؛ وليس يقال: " إن قدر أن يفعل " ؛ أي: أن يملأ الأرض؛ إنما المتقرب به الذهب الذي هو ملء الأرض؛ لا " أن يملأ " ؛ يقال: " ملأت الشيء ملئا " ؛ و " قد ملئ فلان ملأ " ؛ و " هو مملوء " ؛ إذا زكم؛ و " الملأ " : أشراف القوم؛ وتقول: " أنت أملأ بهذا " ؛ أي: أثرى؛ وأوثق؛ و " رجل مليء بين الملاءة يا هذا " ؛ فأما ما يكتبه الكتاب: " أنت الملي " ؛ بالياء؛ فخطأ؛ وهم مجمعون عليه؛ هذا غلط؛ و " الملاءة " : التي تلبس؛ ممدود؛ و " الملاوة من الدهر " : القطعة الطويلة؛ ومن هذا قولهم: " أبل جديدا؛ وتمل حبيبا " ؛ أي: عش مع حبيبك دهرا طويلا.

و " ذهبا " ؛ منصوب على التمييز؛ قال سيبويه؛ وجميع البصريين: إن الاسم المخفوض قد حال بين الذهب؛ وبين الملء أن يكون جرا؛ وحقيقة تفسيره أن المعنى: ما يملؤه من الذهب؛ وكذلك إذا قلت: " عندي عشرون درهما " ؛ أي: ما يعادل هذا المقدار من الدراهم؛ وجائز أن يكون - والله أعلم - قوله - عز وجل -: إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون ؛ [ ص: 443 ] يعني اليهود؛ لأنهم كانوا تائبين في وقت إيمانهم بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل مبعثه؛ فأعلم الله أن تلك التوبة؛ وذلك الإيمان؛ ليس بمقبول؛ لأنهم كفروا بعده؛ وزادوا كفرا؛ فإن كفرهم بما كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقتا بعد وقت؛ زيادة في الكفر؛ وكذلك الإقامة عليه زيادة فيه.

التالي السابق


الخدمات العلمية