معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
قوله : يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ؛ الأصل: "لما"؛ فحذفت الألف لأن ما واللام كالشيء الواحد؛ فكثر استعمال "ما"؛ واللام في الاستفهام؛ فإذا وقفت عليها قلت: "لمه"؛ ولا يوقف عليها في القرآن بها؛ لئلا يخالف المصحف؛ وينبغي للقارئ أن يصلها؛ وهذا قيل لهم لأنهم قالوا: لو علمنا ما أحب الأعمال إلى الله - عز وجل - لأصبناه؛ ولو كان فيه ذهاب أنفسنا؛ وأموالنا؛ فأنزل الله - عز وجل -: هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ؛ إلى قوله: وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم ؛ فلما كان يوم "أحد"؛ تولى من تولى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى كسرت رباعيته؛ وشج في وجهه؛ أنزل الله - عز وجل -: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ؛ "أن تقولوا"؛ في موضع رفع؛ و " مقتا " ؛ نصب على التمييز؛ المعنى: "كبر قولكم ما لا تفعلون مقتا عند الله"؛ ثم أعلم الله - عز وجل - ما الذي يحبه؛ فقال: [ ص: 164 ] إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ؛ أي: "بنيان لاصق بعضه ببعض؛ لا يغادر بعضه بعضا؛ فأعلم الله - عز وجل - أنه يحب من يثبت في الجهاد في سبيله؛ ويلزم مكانه كبيوت البناء المرصوص؛ ويجوز - والله أعلم - أن يكون عنى أن تستوي نياتهم في حرب عدوهم؛ حتى يكونوا في اجتماع الكلمة؛ وموالاة بعضهم بعضا؛ كالبنيان المرصوص.

التالي السابق


الخدمات العلمية